هذه المادة وصف متقن تبين حال كل صاحب طاعة، وكل صاحب معصية يوم القيامة، ذلك اليوم الذي نعجز عن وصفه إلا بآيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فإنَّ الله قد أنذرنا يوماً لا ريب فيه، وأنذرنا يوم المعاد، وأنذرنا يوماً يجعل الولدان شيباً، ذلك هو يوم الحشر، ويوم القيامة، ذلك اليوم الذي تبيض فيه وجوهٌ وتسود وجوه، ذلك اليوم المشهود.. يوم الحسرة.. يوم تبدل الأرض غير الأرض، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً[آل عمران:30].. يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ[الحاقة:18]، إنه يومٌ كان مقداره خمسين ألف سنة، هذا اليوم العظيم أنذرنا الله تعالى به في كتابه، وجاءت الأخبار في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بأهواله، قال كما في صحيح البخاري : (يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً الشدة في ذلك اليوم وما يصيب الناس، فيذهبون إلى الأنبياء، نبياً بعد نبي، قال عليه الصلاة والسلام: (يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيدٍ واحد، فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعضٍ: ائتوا آدم، فيأتون آدم..) الحديث، وفيه طواف الناس على الأنبياء، وعلى أولي العزم من الرسل بالذات، يرجون الخلاص من تلك الوقفة، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ[المطففين:6] والشمس فوق رءوسهم على قدر ميلٍ قد صهرت أجسادهم، وصار العرق يتصبب حتى يذهب في الأرض سبعين ذراعاً، فيغرق الناس من العرق، ويتمنون الفكاك من ذلك اليوم ولو إلى النار، يطوفون على الأنبياء نبياً بعد نبي حتى ينتهي الأمر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
في ذلك اليوم العظيم (ينادي منادٍ: ليذهب كل قومٍ إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولداً، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم -هذا مأوى اليهود في النهاية- ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولداً، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا؟ فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم) الحديث رواه البخاري رحمه الله تعالى.
في ذلك اليوم العظيم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى شيئاً إلا شيئاً قدمه، ثم ينظر أشأم منه فلا يرى شيئاً إلا شيئاً قدمه، ثم ينظر تلقاء وجهه فتستقبله النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن يقي وجهه حر النار ولو بشق تمرة فليفعل).
لقد بلغ ذلك اليوم من أهواله في نفوس الصحابة مبلغاً عظيماً، حتى قال أنس رضي الله عنه: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: أنا فاعل، قلت: يا رسول الله! فأين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط، قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن) رواه الترمذي وهو حديث حسن.
إرسال تعليق