فاقمت الأزمة الاقتصادية في قطر خلال عام من المقاطعة بسبب دعم تنظيم الحمدين للمنظمات الإرهابية، حيث ما زال يقودها من خسارة لأخرى مع استمرار استنزاف مواردها المالية.
تجلت الآثار الاقتصادية في خفض التصنيف الائتماني للإمارة، والذي دفع لهروب الودائع البنكية وشح السيولة في القطاع المصرفي، إضافة لتأثر الاحتياطي الأجنبي مما يشير لمزيد من الانهيار مع دخول المقاطعة عامها الثاني.
الأزمة طالت قيام الدوحة ببيع حصص في الشركات الحكومية عبر خصخصتها بالبورصة وزيادة نسبة تملك الأجانب بها، ناهيك عن انهيار وشيك للسياحة وخسائر كبيرة للخطوط الجوية القطرية.
وتوقع مراقبون اقتصاديون أن يواصل الاقتصادُ القطري نزيفه ليواجه عاماً آخر بالغ السوء مع توالى الصدمات التي يتعرض لها في حال استمرار إجراءات المقاطعة.
وتؤكد الأرقام التي رصدتها «البيان» مدى الخراب الذي حاق بالاقتصاد القطري حتى وصل إلى حافة الانهيار تحت وطأة هذه المقاطعة.
خفض التصنيف
على مدار عام، توالت سلسلة التخفيضات على التصنيف الائتماني لقطر، بدأت بوكالة «موديز» للتصنيف الائتماني التي خفضت تصنيفها من (AA2) إلى (AA3)، بسبب ضعف المركز الخارجي للبلاد والضبابية التي تكتنف استدامة نموذج النمو بعد السنوات القليلة المقبلة.وبحسب «موديز» فإن قطر استنفدت ما يقارب 40 مليار دولار، أي ما يعادل 23 في المئة من ناتجها المحلي، لدعم اقتصادها في أول شهرين من بداية الأزمة.
وأضافت الوكالة أن قطر تواجه تكاليف اقتصادية ومالية واجتماعية كبيرة، ستؤثر بشكل كبير في قطاعات عدة، مثل التجارة والسياحة والمصارف.
كما خفضت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، تصنيف قطر من (AA) إلى (- AA) مع نظرة مستقبلية سلبية.
وعلى نفس النهج خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز»، تصنيف قطر من (AA) إلى (AA-)، وتوقعت تباطؤ النمو الاقتصادي وتأثر التجارة الإقليمية وتضرر ربحية الشركات وضعف الثقة في الاستثمار.
وغيرت «ستاندرد آند بورز» في تقرير منفصل نظرتها المستقبلية للاقتصاد القطري من مستقرة إلى سلبية مع تأكيد التصنيف السابق عند (AA-)، مع تأثر الأصول الحكومية التي ستعوض هروب رؤوس الأموال خارج البلاد.
جودة أقل
خفضت «موديز» تصنيف الودائع طويلة الأجل لبنك الدوحة، بسبب تراجع جودة أصوله وكفاية رأس المال، كما أبقت على النظرة المستقبلية السلبية للبنك.
وبخلاف موديز، أظهرت تقارير رسمية ذات مصداقية عالية، مدى الخراب الذي حاق بالاقتصاد القطري، وفضحت تقارير أصدرتها مراكز دراسات، محاولة «تنظيم الحمدين» إخفاء الانهيار الذي تعانيه الدوحة، مع اقتراب عزلتها من إنهاء عامها الأول.
كما خفضت «موديز» تصنيف بنك قطر التجاري من (A3) إلى (A2) مع نظرة مستقبلية سلبية نتيجة تراجع الودائع قصيرة الأجل لدى البنك إلى الفئة الثانية مقابل الفئة الأولى. فيما شهدت البنوك المحلية منذ بدء المقاطعة تراجعاً كبيراً وتذبذباً في مستوياتها وهبوط أرباحها. وأعلنت «ستاندرد آند بورز»، توقفها عن تقييم القوة المالية لشركة قطر الدولية للتأمين التابعة للشركة القطرية للتأمين، بعد أن نقلت الأولى مسؤولياتها التأمينية إلى الأخيرة.
أزمة سيولة
بعد انتهاج سياسة العناد والمكابرة، فقدت قطر 40 مليار دولار من التمويلات الأجنبية (ودائع مقيمين وغير مقيمين وودائع القطاع الخاص والإيداعات بين البنوك)، منذ قرار المقاطعة بحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي.
وتأثرت ودائع القطاع الخاص في قطر وتخارجاً من السوق المحلية، نتيجة تبعات مقاطعة عربية للدوحة، منذ يونيو الماضي. وتراجعت ودائع القطاع الخاص (الأفراد والشركات) في قطر 8.2في المئة في أبريل الماضي على أساس سنوي إلى 462.9 مليار ريال (127 مليار دولار)، مقارنة بـ 504.3 مليارات ريال (138.5 مليار دولار) خلال أبريل 2017. وعلى أساس شهري، سجلت ودائع القطاع الخاص القطري، تراجعاً أيضاً، بـ0.9 في المئة، نزولاً من 467.1 مليار ريال (127.9 مليار دولار).
وأيضا خفضت قطر استثماراتها في سندات وأذون الخزانة الأميركية 80 في المئة إلى 264 مليون دولار حتى نهاية مارس الماضي، مقارنة بنحو 1.38 مليار دولار في مايو 2017. وكان وزير المالية القطري علي العمادي أعلن أن 20 مليار دولار أخرى سيتم ضخها في السوق القطري من صندوق الثروة السيادي، لمواجهة الأزمة المالية، التي تمر بها قطر منذ المقاطعة العربية لدعمها الإرهاب.
وتجلت أزمة السيولة في قيام بنك قطر الوطني المملوك للنظام القطري في اقتراض نحو 4.78 مليارات دولار في شهري يناير وفبراير الماضيين من الأسواق الخارجية، انقسمت إلى قرض بقيمة 3.5 مليارات دولار من 9 بنوك عالمية، وإضافة لإصدارات سندات فورموزا بقيمة 720 مليون دولار ببورصة تايوان، و565 مليون دولار حصيلة سندات ببورصة أستراليا.
وكشف تقرير صادر عن منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية الذي يرصد أصول 750 مؤسسة استثمارية، تشمل البنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية، وصناديق معاشات تقاعد القطاع العام، تكبّد مصرف قطر المركزي خسائر بنحو 53 % في الاحتياطات العام الماضي، موضحاً أن الخسائر الكبيرة المسجلة نجمت في الأساس عن مستوى التدفقات الرأسمالية الضخمة النازحة عن الدوحة، بعد قرار الدول الداعية لمكافحة الإرهاب قطع علاقاتها مع قطر.
وحسب البيانات الرسمية المعلنة من مصرف قطر، تراجعت الأصول الاحتياطية خلال الفترة من مايو 2017 حتى مارس الماضي بـ17.3في المئة إلى 37.8 مليار دولار، مقابل 45.7 مليار دولار بنهاية مايو 2017.
ويتضح من بيانات المركزي القطري معاناة الاحتياطي الأجنبي بسبب تقلص استثمارات المركزي في سندات وأذونات الخزانة الأجنبية من 22.6 مليار دولار في مايو 2017 إلى 3.9 مليارات دولار في مارس الماضي، ما يعكس الحاجة الملحة لتمويل الموازنة العامة التي عانت بعد ارتفاع تكلفة الاستيراد والنقل.
وتزايدت الضغوط المالية على الدوحة لتقترض 17 مليار دولار من الأسواق المحلية والخارجية للوفاء بالتزامات الموازنة التي تعاني من ارتفاع تكلفة الاستيراد وتبعات العناد القطري على الاقتصاد بشكل عام. وتنوع الاقتراض القطري إلى إصدارات حكومية بقيمة 17.9 مليار ريال (4.9 مليارات دولار)، مضافاً إليها اقتراض خارجي بقيمة 12 مليار دولار وتلك المرة الثانية التي تلجأ فيها للأسواق الخارجية للحصول على تمويل خارجي بعد اقتراضها 9 مليارات في يونيو 2016. وعلى صعيد عجز ميزان المدفوعات، فقد تضخم مرتفعا 217 في المئة خلال 2017.
ونقل جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادية للبلاد، حيازات من أسهم محلية تزيد قيمتها على 30 مليار دولار إلى وزارة المالية، فيما قد يضطر الصندوق إلى بيع أصول أخرى في إطار خطة لإعادة الهيكلة.
وتتضمن الحصص حيازات رئيسية في بعض أكبر الشركات في قطر مثل بنك قطر الوطني وأريدو للاتصالات والكهرباء والماء القطرية والديار القطرية. وبالفعل نفذت الديار القطرية بيع حصتها في شركة «فيوليا إنفيرونمنت» الفرنسية، بقيمة 507 ملايين يورو (640 مليون دولار).
اتجهت الدوحة إلى خصخصة بعض الشركات الحكومية المدرجة ببورصة قطر عبر زيادة نسبة تملك الأجانب فيها من 25 إلى 49 في المئة ، مما يبرز الحاجة الملحة لدى نظام الحمدين للحصول على السيولة اللازمة لتعويض آثار الاقتصادية. ويبلغ عدد الشركات التي تمت إتاحة نسبة تملك الأجانب فيها تسع شركات حكومية حتى الآن وهي من أكبر الشركات هناك وتتضمن (صناعات قطر، والكهرباء والماء، والقطرية للصناعات التحويلية، ومصرف قطر الإسلامي، وقطر للوقود، والخليج الدولية للخدمات، ومسيعيد للبتروكيماويات القابضة، وبنك قطر الوطني، بروة العقارية).
وفشلت مساعي قطر بدعم السياحة ولم يجد إطلاق التأشيرة الالكترونية التي تسمح للمسافرين من جميع الجنسيات وإعفاء جنسيات أكثر من 80 دولة من التأشيرة نفعاً، ليهبط عدد الزوار 23.2 في المئة العام الماضي على أساس سنوي إلى 2.25 مليون زائر.
واستمر الهبوط في أعداد الزوار في الربع الأول من العام الجاري بـ38في المئة إلى 535.3 ألف زائر، مقارنة بنحو 864.4 ألف زائر في الفترة المماثلة من 2017. وكان لتراجع الزوار الخليجيين الأثر الأكبر وراء تراجع السياحة بقطر، بعد أن سجلوا تراجعا بـ47في المئة في العام الماضي، وانخفاض 86في المئة بالربع الأول من 2018.
خسارة كبيرة
الأزمة طالت الخطوط القطرية التي منيت بخسارة كبيرة في السنة المالية الماضية بسبب أزمتها مع دول المنطقة، تسبّب في حظر عمل الشركة في أربع دول عربية. ونقلا عن الرئيس التنفيذي للخطوط القطرية أكبر الباكر، قال: «زدنا نفقاتنا للتشغيل، كما تضررت أيضاً إيراداتنا. لذلك، لا نعتقد أن نتائجنا للسنة المالية الماضية ستكون جيدة جداً». وأضاف «لا أريد أن أتحدث عن حجم الخسارة لكنها كبيرة». وأضاف أن بعض الأنشطة الأخرى حققت ربحاً غير كافٍ لتبديد أثر خسائر الشركة.
صعوبات
ذكرت المعارضة القطرية، أنه تم رصد أعداد كبيرة من المقيمين قرروا مغادرة قطر، يواجهون صعوبات جمّة في سحب أرصدتهم في البنوك، التي تسيطر عليها مافيات النظام القطري.
وأوضحت المعارضة في بيان على «تويتر»، أن آلاف المقيمين والمستثمرين الأجانب، فضلوا تحويل مدخراتهم إلى مصارف خارج قطر، نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية الفاشلة لهذا النظام الفاسد، والذي بدأ بسياسة السطو على أموال هؤلاء، أو التحفظ على حقهم بسحب ودائعهم.
البورصة تخسر 10 مليارات دولار
تكبدت بورصة قطر خسائر سوقية فادحة منذ اتخاذ دول التحالف العربي قراراً بمقاطعتها بسبب دعمها للإرهاب قبل عام لتدخل البورصة في أزمة حادة جعلت مليارات الريالات تتبخر منها وصلت إلى 35 مليار ريال (9.61 مليارات دولار).
وتهاوى رأس المال السوقي من 532.05 مليار ريال قبل الأزمة إلى نحو 497.42 مليار ريال حالياً، فيما تراجع المؤشر العام بـ9.4 في المئة إلى مستوى 8992.81 نقطة.
وقال محللون وخبراء أسواق مال إن حالة التردي والهبوط المدوي التي تعيشها الأسهم القطرية منذ بدء المقاطعة كان طبيعياً وسط تسابق صناديق الاستثمار الأجنبية على الهروب بأقل الخسائر قبل وصول الأوضاع إلى مستويات أكثر سوءاً.
وتوقعوا أن تصل أوضاع الأسهم إلى هبوط أكثر مستقبلا واستمرار نزيف خسائر البورصة لا سيما مع غياب المحفزات جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد وتزايد حالة القلق الكبير حيال أوضاع القطاع المصرفي مع استمرار نزوح رؤوس الأموال للخارج وتسييل الصناديق السيادية لأصوله في محاولات لدعم سيولة البنوك.
واعتبر المحللون والخبراء أن حالة القلق التي تعتري النظام المصرفي القطري هي مؤشر واضح على التخبط الذي يعصف بالسياسة القطرية والتي أدت إلى مسارعة البنوك إلى بيع قروضها لبنوك خليجية.
وقال فادي الغطيس، الرئيس التنفيذي لشركة «مايند كرافت للاستشارات المالية»، إن التصنيفات السلبية للاقتصاد القطري من قبل المؤسسات العالمية دفعت المستثمرين نحو عمليات بيع مكثفة على الأسهم خوفاً من مزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية.
وأكد أن الضغوط البيعية مازالت تنال من الأسهم القطرية في ظل تخارج واضح للاستثمارات الأجنبية من السوق مع ارتفاع نسب المخاطرة برغم تداول معظم الأسهم عند مستويات سعرية جاذبة، لكن حالة القلق والترقب الحذر لا تزال تسيطر على معنويات المستثمرين.
واستبعد أن تنجح بورصة قطر في تعويض خسائرها سريعاً حتى بعد انفراج الأزمة الحالية، مشيراً إلى أن موجة التراجعات والخسائر التي طالت الأسهم والمؤشرات هي الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية.
وأشار إلى أن استمرار الأزمة الخليجية على الوضع الحالي من شأنه أن يوقف حركة السياحة الوافدة للدوحة واشتعال التضخم ما يجعل بيئة الاستثمار طاردة وتفاقم المشاكل المعيشية والاضطرابات العمالية وخاصة في القطاع السياحي بإجبار العمال على اجازات مفتوحة غير مدفوعة نتيجة تقلص مواردها وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها.
تراجع
وكانت أبرز الخسائر قد ظهرت بأسهم الاتصالات والتأمين مع هبوط سهم «أوريدو» بـ33.6في المئة و«فودافون» 3.5في المئة و«قطر للتأمين» 41في المئة.
وامتدت الخسائر إلى أسهم العقار مع تراجع سهم «مزايا قطر»بـ46.4في المئة و«إزدان العقارية» 30.8في المئة و«المتحدة للتنمية» 25في المئة إضافة إلى انخفاض «بروة العقارية» 2.8في المئة.
وفي القطاع المصرفي، انخفض سهم بنك قطر الأول بـ39.1في المئة ومصرف الريان 24.7 في المئة وبنك قطر الدولي 13.1 في المئة وبنك الدوحة 14.2في المئة والبنك الأهلي 2.6في المئة، بينما في قطاع الصناعي تراجع سهما المستثمرون وأسمنت الوطنية بنحو 44.7في المئة و23 في المئة على التوالي.
وطالت التراجعات أسهم قطاع النقل مع تراجع سهم «ناقلات» بـ34.35في المئة، و«الخليج للمخازن» 22في المئة، و«ملاحة» 10.9في المئة.
إرسال تعليق