قال اللهُ تعالى عن القرآن إنه (هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) [البقرة:2] فما المقصودُ بالغيب في هذه الآية؟
الغيبُ هو الذي لا يتناوله الحسُّ بالمشاهدة ونحوِها، ولا يدركُه العقلُ بالبداهة. وقد يدركُ العقلُ بعضَ ذلك بالاستدلال ولا يدركُ البعضَ الآخر؛ لأنَّ العقلَ محدود والغيبَ مطلق، ومن البديهي أن المحدود لا يدرِك المطلق. وعدم إدراك الإنسان للأمور التي هي وراء محسوساته لا يدلُّ على عدم وجود تلك الأمور. وليس من الحقِّ القول إن عدم إدراك المجهول ينفي وجود ذلك المجهول.
قسمٌ من الغيب استأثر اللهُ تعالى بعلمه، قال تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو). وقال: (قل لا يعلم من في السموات ومن في الأرض الغيبَ إلا الله).
وقسمٌ آخر أخبر اللهُ به بعض رسله، قال تعالى: (عالم الغيب فلا يُظهِر على غيبه أحداً إلا من ارتضى مِنْ رسول).
وقسمٌ آخر لا يُدرك بالحسّ ولا ببداهة العقل كما قلنا، لكن يُمكن أنْ يُدرك بالاستدلال إدراكاً إجمالياً، كالاستدلال بالموجودات على مُوجدها، وبوحدة التنظيم في أجزاء الكون، مِنْ أكبر جرمٍ إلى جزيئاتِ أخفِّ ذرةٍ يُستدل بذلك على أنَّ مُوجدها واحد قادر عالم، إلى غير ذلك من الصفات الثابتة لله عز وجل.
والمؤمنُ بل كلُّ عاقل ينبغي أنْ يُؤمن بأنَّ هذا الكون الواسع الشاسع لم يُخلق عبثاً، وأنَّ ما يفعله الإنسانُ لا يذهب سُدىً وضَياعاً، وأنَّ هذه الحياة الدنيا ليستْ آخر المطاف، بل لابد مِنْ دارٍ أخرى فيها تلاقي كلُّ نفس جزاءَ أعمالها. (لها ما كسبتْ وعليها ما اكتسبتْ). (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى).
وأحوال الآخرة ونحوها كلُّها من الغيب.
من كتاب «رسالة في التفسير» للمؤلف الأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي
إدارة البحوث- دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي
إرسال تعليق