| إعداد عبدالله متولي |
تدور الأيام ويحل على الأمة الاسلامية الشهر التاسع من كل عام هجري ضيفا كريما تهفو اليه النفوس وتحن للقائه القلوب، وتدمع لفراقه العيون، فقد خص الله عز وجل أيام الشهر الفضيل بمكانة لا تعادلها في خصائصها وفضائلها أية أيام أخرى طوال العـام، وتعبيرا عن هذه المكانة العظيمة خطب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الناس بقوله: «يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، شهر المواساة، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال عليه الصلاة والسلام: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شـهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ومـن سـقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وينتظر المسلمون في جميع بقاع الأرض شهر رمضان المبارك ويشتاقون إليه اشتياقاً عجيباً لا يوجد في أي دين آخر، فيبدأ المسلمون استعدادهم للشهر الكريم منذ شهر شعبان الذي كان يصومه النبي صلى الله عليه وسلم جُلَّه. ويعود اهتمام المسلمين بقدوم شهر رمضان لأنه يعظم فيه الأجر وتفتح فيه أبواب الخير لكل راغب، وهو شهر الخير والبركات وشهر التقوى والصلاح، وشهر الصوم والصلاة وقراءة القرآن.. تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفّد فيه مردة الشياطين.. ويسعد فيه المسلمون أكثر من سعادتهم في أي وقت آخر طوال العام، حيث يضفي الفرحة على جميع البيوت والأفراد ويتساوى في ذلك المسلمون كافة في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف أجناسهم وألوانهم.
لقد اعتاد المسلمون منذ مئات السنين على مظاهر شتى لاستقبال شهر رمضان مثل رؤية الهلال والموائد الرمضانية التي يقيمها الأغنياء وأهل الخير لإطعام الفقراء، والمسحراتي ودوره في إيقاظ الصائمين لطعام السحور، ومدفع الإفطار الموجود في بعض الدول الإسلامية، إلى غير ذلك من مظاهر الحفاوة بشهر الصيام.
هذه المظاهر التي تحولت إلى عادات ، واحتلت صفحات ناصعة ومهمة من تاريخ الشعوب، حتى أصبحت بعد ذلك علامات فارقة ومميزة لكثير من البلدان ، رغم تشابهها في كثير من الأحيان ، واختلافها في أحيان أخرى ، وهذه نماذج لكيفية استقبال شهر رمضان الفضيل في بعض البلدان:
في مصروفي مصر تزيَّن الشوارع والحارات بالأعلام والبيارق الورقية منذ الأسبوع الأخير من شهر شعبان، بحيث تشهد الأحياء والأزقة في مصر ظاهرة جميلة بربط الحبال بين البيوت المتقابلة، تعلّق عليها الرايات والفوانيس. وقصة استعمال الفوانيس بكثرة في رمضان هي قصة طويلة تعاد فصولها في كل رمضان ضرورة، فقد كان المصريون في القديم يستعملون الفوانيس (الشمعية) التي تستعمل الشمع كأداة للإضاءة.
والأطفال في الشهر الفضيل حكاية ظريفة وجميلة، فهؤلاء يخرجون ليلة رؤية هلال رمضان إلى الطرقات سواء مع أقرانهم من الأطفال، أو إلى جانب أفراد عائلتهم، مرتدين أحلى ما عندهم من ثياب، وحاملين الأعلام والفوانيس الرمضانية، يغنون الأناشيد والأهازيج الخاصة بهذا الشهر الكريم في فرحة جماعية عارمة.
في السودانمثل كثير من الدول الإسلامية يترقّب الناس في السودان قدوم هذا الشهر الفضيل بفيض من الشوق والاستعداد، ويدخرون له ما طاب من المحاصيل الزراعية والبقوليات والتمر منذ وقت مبكر، وقبيل حلول الشهر الكريم يقوم السودانيون بشراء التوابل وقمر الدين ويقومون بإعداد مكونات شراب شهير يسمى (الحلومر) وهو يصنع من عدة مواد أهمها الذرة والتوابل وغيرها، وتحتوي المائدة السودانية على بعض الأكلات المقلية والحلويات و(العصيدة ) والسلطات، وأنواع عديدة من المشروبات المحلية والعصائر المعروفة، فضلاً عن (سلطة الروب) والشوربة وغيرها من مكونات المائدة الرمضانية العامرة.
شيء مهم ولافت للنظر في العادات السودانية في رمضان وهو إفطار الناس في المساجد وفي الساحات التي تتوسط الأحياء، وعلى الطرقات تحسباً لوجود مارة ربما يكونون بعيدين عن منازلهم أو وجود عزّاب في الأحياء قد لا يتوفر لديهم الوقت لصنع الطعام بالطريقة التي يريدونها، فقبل الغروب بدقائق تجد الناس يتحلَّقون في جماعات خلال لحظات الإفطار لاصطياد المارة ودعوتهم لتناول الإفطار معهم. وبعد الفراغ من الإفطار يتناولون القهوة ثم يقضون بعض الوقت قبل الذهاب إلى صلاة التراويح.
في فلسطينولا يختلف رمضان كثيراً في فلسطين، فرغم الاحتلال الإسرائيلي،
فإن شهر رمضان له عاداته من إفطار وسحور وحلويات، وصلاة تراويح وقيام ليل وقراءة القرآن وزيارات الأهل. من أهم الأطعمة الفلسطينية المقلوبة، وهي مكونة من الأرز ومقلي الباذنجان أو الزهرة أو البطاطس، وكذلك البصل المقلي والثوم، توضع اللحمة بعد النضج أسفل الوعاء (الحلة) ثم يوضع الثوم المقلي ثم يوضع الأرز وتوضع بعد ذلك التوابل ويسكب المرق وتوضع على نار هادئة حتى النضج، ثم توضع ملعقة سمن على الأرز، وبعد ذلك تقلب في صينية وتقدَّم كما هي مع اللبن (الزبادي) أو سلطة خضار. ومن الأكلات الشعبية أيضاً الفتة، وهي مكونة من الرقاق والأرز، يوضع الرقاق بعد أن يقطع قطعاً صغيرة ويسكب عليه المرق ثم يوضع الأرز وبنسب مختلفة حسب المزاج والرغبة، وهناك من يضع على الأرز اللوز أو الصنوبر المقلي على الوجه ثم توضع اللحوم. كذلك هناك أكلة تسمى السماقية، مكونة من السلق والسماق واللحم المفروم والحمص والبصل والطحينية الحمراء والجرادة (الشبت) والثوم وبمقادير تناسب كمية السماق.
في سوريةوتستقبل سورية رمضان بتعليق لافتات في الشوارع، لتهنئة المسلمين بقدوم شهر رمضان، كتب في بعضها أهلاً بك يا رمضان والبعض الآخر أحاديث نبوية عن فضل الشهر الكريم، مع تزيين الشوارع بالأنوار والمصابيح، وكذلك بعض مداخل البنايات. كما يطلق البعض الألعاب النارية بألوانها وأنواعها الجميلة. ويزداد الإقبال على المأكولات والمشروبات والحلويات.
وفي سورية تشتهر التبولة والبطاطا المقلية والفطائر بالسبانخ والكبة النيئة، بالإضافة إلى السنبوسك وحساء العدس المجروش. أما الأكلة الرئيسة ففتة المكدوس (وهي من الباذنجان واللحم المسلوق وخبز مقلي ولبن) وفتة المقادم، والفوارغ والقبوات وهي عبارة عن خروف محشو بالأرز واللحم والصنوبر.
أما على السحور فالطبق الناعم يؤكل عادة وهو عبارة عن رقاقات من العجين ترش عليها دبس العنب والحلويات فالقطايف العصافيري وهي عبارة عن عجينة دائرية تـُحشى بالقشطة البلدي ويرش عليها القطر.
في لبنانويستقبل الناس شهر رمضان في لبنان بشوق إلى لياليه ذات الطابع الخاص، فتضج الطرقات بالناس وخاصة ساعة الإفطار، حيث يهرعون إلى بيوتهم قبل أذان المغرب، ونرى الزينة في الطرقات وكأنها عروس.
كما تزدحم الجوامع بالمصلين خاصة مسجد السلام الذي يحضر فيه الشيخ محمد جبريل سنوياً في العشر الأواخر من هذا الشهر لإقامة صلاة التراويح. كما يتبادل الناس التهنئة بمناسبة قدوم هذا الشهر.
ويشيع في لبنان شرب الحساء بجميع أنواعه والفتوش المؤلَّف من الخس والبندورة والخيار والحامض، والبطاطا المقلية والحمص بالطحينة المشهور لبنانياً. أما الأكل الرئيسي فالشائع الملوخية الورق مع الدجاج بالإضافة إلى الكبة المقلية. أما بالنسبة للحلويات فالشعيبيات والأرز بالحليب من أهم الأنواع المفضلة.
في المغرب وفي المغرب يستقبلونه بفرحة عارمة وقلوب تواقة، ويعيش أكثرهم هذا الشهر في صيام حقيقي وطاعة مطلوبة، فكلنا يعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي معناه أن كثيراً من الناس ليس لهم من الصوم إلا الجوع والعطش.
ولذلك يحاول البعض أن يستفيد من هذا الشهر بالتقليل من الأكل والإكثار من الطاعات كالتصدق وتقديم وجبات الإفطار للمحتاجين وقيام الليل وقراءة القرآن الكريم.
وفي المغرب تشتهر الموائد في رمضان بشربة الحريرة، والتمر والحليب و(الشباكية) و(البغرير) و(الملوي).. فيما تعتبر شربة الحريرة في مقدمة الوجبات؛ إذ لا يعتبر كثيرون للإفطار قيمة من دونها؛ ولذلك بمجرد ذكر شهر رمضان تذكر معه (الحريرة) عند الصغار والكبار على السواء، كما ينتشر الباعة المتجولون على الطرقات والأماكن الآهلة بالسكان ليبيعوا هذه الوجبات دون غيرها. وبعد الحريرة تأتي (الشباكية) وهي حلوى تصنع غالباً في البيوت بحلول الشهر الكريم.
في الجزائرويختص الشعب الجزائري خلال شهر رمضان بعادات نابعة من تعدد وتنوّع المناطق التي تشكله كما يشترك في كثير من التقاليد مع الشعوب العربية والإسلامية الأخرى.
وتتميز الجزائر بالحمامات التي تلقى إقبالاً كبيراً من العائلات في الأيام الأخيرة من شهر شعبان للتطهّر واستقبال رمضان للصيام والقيام بالشعائر الدينية وتنطلق إجراءات التحضير لهذا الشهر الكريم قبل حلوله بشهور من خلال ما تعرفه تقريباً كل المنازل الجزائرية من إعادة طلاء المنازل أو تطهير كل صغيرة وكبيرة فيها علاوة على اقتناء كل ما يستلزمه المطبخ من أوانٍ جديدة وأغطية لاستقبال هذا الشهر.
وتتسابق ربات البيوت في تحضير كل أنواع التوابل والبهارات والخضر واللحوم البيضاء منها والحمراء لتجميدها في الثلاجات حتى يتسنى لهن تحضير ما تشتهيه أفراد عائلتهن بعد الصيام.
في الكويت وفي الكويت تتلخص ملامح رمضان في إقبال الناس على المساجد وتلاوة القرآن والذهاب إلى الأسواق والدواوين والسهر أمام الفضائيات والبعض يقيم الليل بعد الساعة الثانية صباحاً، وهناك مظاهر أخرى كثيرة من التواصل مع الأرحام وإعداد الولائم ودعوة العائلات لها وتبادل الزيارات وحضور دروس العلم بالمساجد.
ويكتسب رمضان في الكويت مذاقاً خاصاً، يحرص من خلاله الكويتيون على إحياء تقاليد وعادات توارثوها من أزمنة بعيدة عن الأجداد ونكهة خاصة وأجواء روحانية في ظل ترابط اجتماعي متميز.
وفي الكويت تشتهر (الهريس) كطبق رئيسي، حيث تصنع من القمح المهروس مع اللحم مضافاً إليها السكر الناعم والسمن البلدي والدارسين (القرفة) المطحونة، وهناك أكلة التشريب وهي عبارة عن خبز الخمير أو الرقاق مقطعاً قطعاً صغيرة ويسكب عليه مرق اللحم الذي يحتوي غالباً على القرع والبطاطس وحبات من الليمون الجاف الذي يعرف بـ (لومي)، حيث يفضّل الصائم أكلة التشريب لسهولة صنعها وخفة هضمها على المعدة ولذة طعمها، وهي عبارة عن خبز التنور إلا أنه في الوقت الحاضر يستخدم خبز الرقاق وهو خبز رقيق. وهناك الجريش الذي يطبخ من القمح واللقيمات وهي حلويات، وتعرف بلقمة القاضي وتصنع من الحليب والهيل والسمن والزعفران والعجين المختمر وتقطع لقيمات وتلقى في الدهن المغلي حتى الاحمرار ثم توضع في سائل السكر أو الدبس، وهناك أيضاً البثيث والخبيص اللتان تصنعان من الدقيق والتمر والسمن.
في العراق وفي العراق يشتري المسلمون مستلزمات رمضان قبيل حلوله بعشرين يوماً، وتوضع الزينة والإنارة الضوئية على معظم محال الملابس والحلويات. ويتكون الإفطار من الشوربة التي تتكون من: عدس وشعيرية وكرافس أخضر، والأرز والمرقة التي تتكون من فاصوليا وبامية وباذنجان، إضافة إلى الكباب المشوي والكبب المقلية والنيئة.
وبعد صلاة العشاء والتراويح يتم تناول الحلويات التي أشهرها البقلاوة والزلابية والشعيرية والكنافة.
في الصومالويستقبل الصوماليون رمضان بالطلقات النارية ويقومون الليالي العشر الأواخر بالاعتكاف في المساجد وحلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم وتفسير الأحاديث ويقوم الوعاظ بترجمة فورية للقرآن من اللغة العربية إلى الصومالية.
وتقدَّم على مائدة الفطور في رمضان مشروبات ومأكولات خفيفة مثل عصير المانجو والجوافة، كما يتم تناول الموز والبطيخ والباباي، كما يشكِّل اللبن وجبة أساسية وخاصة في المناطق الجنوبية وحتى في العاصمة ثم يتوجه بعد ذلك لأداء صلاة المغرب ثم يتناولون فطوراً مكوناً من الأرز والخضراوات والشعيرية والمكرونة والعصيدة واللحوم. ويحرص الصوماليون على طبخ كل وجبة من وجبات شهر رمضان المعظم في موعدها على أن تكون عملية الطبخ جديدة بمعنى، ألا يأكل الصوماليون بقية الوجبة السابقة، بل يطبخون من جديد في كل وجبة، أما السحور فيعتمد على الحليب والشعيرية والمكرونة.
جزر القمروفي جزر القمر يسهر الناس على السواحل حتى الصباح استعداداً لشهر رمضان بدءاً من شهر شعبان، ويعدون المساجد فيشعلون مصابيحها ويعمرونها بالصلاة وقراءة القرآن الكريم كما يكثرون من الصدقات وفعل الخير.
وفي الليلة الأولى من رمضان يخرج السكان حاملين المشاعل ويتجهون إلى السواحل، حيث ينعكس نور المشاعل على صفحة المياه ويضربون الطبول إعلاناً بقدوم رمضان ويظل السهر حتى السحور. ومن الأطعمة الرئيسية على مائدة الفطور الثريد إضافة إلى اللحم والمانجو والحمضيات ومشروب الأناناس.
في إندونيسيا رغم أن إندونيسيا تتكون من أكثر من 3000 جزيرة تتناثر على امتداد جنوب شرق آسيا وأستراليا، وتمتد بين الملايو وغينيا الجديدة، لكن تقاليد هذه الجزر الكثيرة تتوحّد خلال شهر رمضان رغم اختلافها من جزيرة إلى أخرى في غيره من الشهور، حيث يستقبل جميع الإندونيسيين الشهر المبارك بذبح الذبائح ابتهاجاً بقدومه.
ويذهب الإندونيسيون إلى المساجد التي تفتح أبوابها طوال النهار لتلاوة القرآن الكريم ويسمى (تداروس) ومن أشهر المساجد في البلاد مسجد (رابا)، ومسجد (الشهداء)، ومسجد (بيت الرحيم) في ساحة القصر الجمهوري في جاكرتا.. وتتزيّن المساجد والبيوت طوال شهر رمضان المبارك بالفوانيس الجميلة المزخرفة وتسمى (قلمان).
ومن عادات أهل البلاد عند انتهاء صلاة التراويح وذهاب كل إلى بيته أن ترى شباب كل قرية وقد تجمعوا بالقرب من المسجد للغناء والابتهالات حتى موعد السحور فتقوم الجماعة صاحبة النوبة بإيقاظ الأهالي للسحور، باستخدام آلة تُسمى (بدوق)، وفي الليلة التالية تقوم جماعة أخرى من الشباب بنفس العمل أي في شكل مناوبات، أما المدن الكبيرة فتنطلق المدافع لإيقاظ السكان للسحور، كما تنطلق مرة أخرى للإمساك إيذاناً ببدء صوم يوم جديد، كما تبرز مظاهر التكافل الاجتماعي بين شرائح المجتمع، حيث تقيم الأسر الغنية موائد الرحمن للفقراء والمحتاجين طوال الشهر، وتزيد في العطايا والصدقات خلال ليلة القدر، كما تنشط الجمعيات الخيرية في ربوع البلاد لتجمع زكاة الفطر قبل يوم العيد ليتم توزيعها على المحتاجين.
في هولندا تخلو شوارع المدن الهولندية الكبرى من أي مظاهر توحي بوجود الشهر الكريم، لكن مقرات المساجد والجمعيات الإسلامية والمقاهي وسائر الأماكن العامة التي يتجمع فيها أبناء الأقلية المسلمة تعكس بوضوح استثنائية وأهمية هذا الشهر لدى غالبية المسلمين على اختلاف أعمارهم وقومياتهم وانتماءاتهم. وتشهد الساحة الإسلامية في هولندا خلال شهر رمضان، تنظيم برامج خاصة من قبل جمعيات ومؤسسات أهلية تابعة للأقلية المسلمة، تتوزع على الإفطار الجماعي الذي يدعى إليه المسلمون والهولنديون على السواء، ومحاضرات ومؤتمرات تعالج قضايا عامة تخص الأمة الإسلامية، وخاصة تتعلق بالمشاكل التي تواجه الأقلية المسلمة في هولندا.
وتعتبر منظمات العمل الخيري الإسلامية، شهر رمضان فرصة ذهبية لعملها، حيث تنظم حملات تبرع خلاله، تجند لها عشرات الدعاة الذين يتنقلون بين المساجد ومقرات المنظمات الإسلامية، للتعريف بأهدافها وحث المصلين على التصدق لمساعدة المحتاجين.
في أميركا من أهم عادات المسلمين بالولايات المتحدة الأميركية خلال شهر رمضان المبارك إقامة موائد إفطار جماعية تتبعها صلاة التراويح مما يعد مناسبة مهمة للتقارب الاجتماعي بين المسلمين. ويلمس المراقب لحياة المسلمين خلال الشهر الكريم نشاطاً غير عادي مثل ترددهم على مساجدهم لأسباب مختلفة على رأسها صلاة التراويح كعلامة على انتشار الإسلام والمسلمين ووجودهم بالمدن والقرى الأميركية المختلفة، وعلى أن التجمعات المسلمة المحلية في طريقها إلى النضج وإلى أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من النسيج الديني للمجتمع الأميركي.
ونتيجة للزيادة الملموسة في أعداد المسلمين وتدفق المهاجرين المسلمين على العاصمة الأميركية وضواحيها جعل الطلبة المسلمين يشعرون بحرية أكبر في التعبير عن دينهم بعكس الأجيال السابقة التي اضطر بعضها لإخفاء صيامهم رغبة منهم في التوافق مع البيئة المحيطة بهم, ودفع كثير من المدارس للتكيف مع حاجات طلبتها المسلمين خلال شهر رمضان المبارك. وتخصص بعض المدارس قاعات خاصة لطلبتها المسلمين خلال فترات الاستراحة بعيدة عن غرف تناول الطعام، يستخدمها الطلبة المسلمون للقيام بأنشطة مختلفة مثل دراسة التاريخ الإسلامي ومناقشة العبرة من الصيام في ما بينهم بدلاً من تناول طعام الغذاء مثل بقية زملائهم.
السحور...من «بلال» و«ابن أم مكتوم»
إلى المسحراتي و«المدفع»
لحرص المسلمين على طعام السحور تعددت وسائل وأساليب تنبيه الصائمين وإيقاظهم وقت السحر، ففي العهد النبوي كانوا يعرفون وقت السحور بأذان بلال، ويعرفون الإمساك بأذان ابن أم مكتوم، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتعدد الولايات بدأت تظهر وسائل أخرى للسحور فظهرت وظيفة المسحراتي في العصر العباسي، حيث يعتبر عتبة بن إسحاق والي مصر أول من طاف شوارع القاهرة ليلاً في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور عام 238هـ وكان يتحمل مشقة السير من مدينة العسكر إلى الفسطاط منادياً الناس (عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة).
وفي العصر الفاطمي أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمراً بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور، ومع مرور الأيام عين أولو الأمر رجلاً للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي يا أهل الله قوموا تسحروا، ويدق على أبواب البيوت بعصا كان يحملها في يده تطورت مع الأيام إلى طبلة يدق عليها دقات منتظمة.
وعلى امتداد العالم الإسلامي اتخذ المسحرون أشكالاً مختلفة، ففي عمان يوقظ المسحراتي النائمين على الطبلة، وفي الكويت يقوم المسحراتي ومعه أولاده بترديد بعض الأدعية وهم يردون عليه، وفي اليمن يدق أحد الأهالي بالعصا على باب البيت وهو ينادي على أهله قائما: قوموا كلوا، وفي السودان يطرق المسحراتي البيوت ومعه طفل صغير يحمل فانوساً ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت، حيث ينادي عليهم بأسمائهم قائلاً (يا عباد الله وحّدوا الدايم ورمضان كريم).
أما في سورية ولبنان وفلسطين فكان المسحراتي يوقظ النائمين بإطلاق الصفارة، وقبل رمضان يطوف على البيوت ويكتب على باب كل بيت أسماء أفراده حتى يناديهم بأسمائهم أثناء التسحير، وفي الأيام العشرة الأخيرة من رمضان التي يصنع فيها الناس الكعك يقول المسحراتي: (جوعوا تصحوا حديث عن سيد السادات... له العيان بينة والتجربة إثبات... إن كنت تسمع نصيحتي والنصيحة تفيد... قلّل من الأكل ما أمكن من دون ترديد... وأكل الكعك بعد الصيام يوم العيد يتعب الصحة، يسبب الضرر ويزيد).
وفي المغرب العربي يقوم المسحراتي بدق الباب بعصاه ليوقظ النائمين... وفي مصر اعتاد الصائمون على مدفع الإفطار والإمساك قبل الأذان مباشرة، حيث عرف مدفع الإفطار في العصر المملوكي، وكانت القاهرة أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب إيذاناً بالإفطار في رمضان.
وقد استمر المدفع يعمل بالذخيرة الحيَّة حتى عام 1859م ميلادية، ولكن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة، وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة (الفشنك) غير الحقيقية، أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية.
عندما تكون السنة كلها رمضان
مما يروى ان الحسن بن صالح باع جارية له فلما انتصف الليل قامت فنادت اهل الديار... الصلاة الصلاة، قالوا اطلع الفجر قالت وانتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! ثم جاءت الحسن وقالت: لقد بعتني لقوم لا يصلون إلا المكتوبة ردني... ردني... ردني...
وكذلك يروى ان رجلا باع جارية الى قوم فرأتهم يتجهزون بشراء الاطعمة والاشربة فسألت عن ذلك فقالوا نستعد لشهر رمضان فقالت وانتم لا تصومون إلا رمضان لقد كنت عند قوم السنة كلها عندهم رمضان.
وفي سؤال الى احدى الاخوات التي تركت الفن واصبحت هي وزوجها من الدعاة الى الله تعالى عن حالها في رمضان فقالت ان السنة كلها عند رمضان.
فهل من الممكن ان يكون حال المسلم في طوال العام مثل حاله في رمضان اعني المداومة على الصيام والقرآن والقيام بحيث لا يقل ما يفعله في اي يوم او ليلة عما كان يفعله في رمضان اقول نعم نعم وقد روي عن الكثير من السلف انهم لو قيل لهم ان القيامة تقوم غدا ما استطاعوا ان يزيدوا من اعمالهم شيئا.
وحدثني من اعرفه انه كان يشتغل طوال العام حتى يوم العيد لم يكن لديه اجازة نهائيا اللهم ايام الاعتكاف وكان يشعر بالسعادة والراحة والطمأنينة والقرب من الله في ايام الاعتكاف وكان يتمنى ان يتفرغ للعبادة والمكوث في المسجد ولكن اين طلبات الأولاد والعمل و... المهم انه كان يسأل الله ان يفرغه للعبادة ورغم بعد عمله عن الامامة إلا انه فوجئ في احد الايام بمجموعة من اصدقائه يقولون له فتحت الكليات الشرعية بجامعة الازهر ابوابها للحاصلين على مؤهلات جامعية فقال لهم بعد هذه السن عندنا صحيح البخاري والكتب الستة وفقه السنة وطلب العلم الشرعي ميسر فقالوا له لا بد ان تنضم معنا وندخل كلية اصول الدين وكان توفيق الله فدخل كلية اصول الدين ومن العجب ان معظم اصحابه لم يكملوا الدراسة منهم من اشتغل بالمحاماة والآخر سافر مع زوجته الى السعودية وأتم هو الدراسة وفي يوم من الأيام قابله زميل له من الطلبة صغار السن في الكلية فقال له ألم تحصل على عمل بعد فقال لا توجد وظائف حاليا فقال له ألم تبحث عن عمل في دولة عربية فقال له ان الاعلان الذي طلبته دولة الامارات لا ينطبق علي لصغر سني حيث انهم يشترطون سن اربعين سنة على الأقل فسأل عن الإعلان فإذا هو لدولة الكويت واذا هو ينطبق عليه وكأنه مطلوب بالاسم وتقدم ونجح وعين إماما بأحد مساجد الكويت ليتفرغ لعبادة الله وحده وليكون دائما في المسجد الذي تمنى ان يكون دائما به متفرغا لعبادة ربه وقد كفاه الله تعالى مؤونة الأولاد والنفقة.
واصبحت السنة بالنسبة له وكأنها رمضان فمداومة الصيام والمحافظة على قيام الليل والمحافظة على الورد القرآني.
واهمس في اذن من فرغهم الله تعالى لعبادته وأنعم عليهم بنعمة التفرغ لعبادته خصوصا الائمة والمؤذنين لماذا لا تكون السنة عندكم كلها رمضان؟
اللهم انا نسألك حسن الخاتمة ونعوذ بك من سوء الخاتمة ونسألك مرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في الفردوس الاعلى.
مهندس جادالله فرحات
الموائد الرمضانية
في الكويتتبدأ الاستعدادات من جانب شعوب الأمة الاسلامية لشهر رمضان المبارك قبل قدومه بأيام عدة، والذي بمجرد ثبوت رؤية هلاله تبدأ الشعوب في ممارسة طقوسها الرمضانية، وعلى الرغـم من أن العادات والتقاليد ابان شـهر الخير تكاد تكون متشابهة لدى المجتمعات الاسلامية الا أن لكل منـها ما يمـيزه عن غيـره من المجتمـعات خاصة في مظاهر التعبير عن الفرح باستقبال أيام الشهر الكريم بتبادل التهاني واقامة الموائد الرمضانية وتبادل الدعـوات والعزائم بين الأهـل والأصدقاء، وكمـا أن للمسلمين في مختلف جنبات العالم ما يميزهم في الاحتفال بشهر رمضان، فان عادات وتقاليد الاحتفالات اختلفت في كثير من مظاهرها، فبين الأمس واليـوم تغيرت الكـثير من الـعادات الرمـضانية فرمضان الماضي يختلف بلا شك عن رمضان الحالي، ولكن ظلت المائدة الرمضانية تحتل رأس قائمة الاهتمامات في تلك الاحتفالات، حيث يتميز كل شعب من الشعوب الاسلامية ببعض الأكلات التي يرتبط اعدادها بالشهر المبارك ومن هذه الأكلات ما يمكن أن تكون في طريقها الى الاندثار ومنها ما زال يمثل طبقا رئيسيا على مائدة الافطار لـدى تلك الشعوب. وتهتـم جمـيع البيوت الكويتية باعداد الولائم واقامة العزائم حيث يجدون في أيام وليالي الشهر الكريم مناسبة طيبة لاجتماع ولقاء الأهـل والأصدقاء في المنازل والديوانيات، وتبدأ المطاعم على مختلف أشكالها وأنواعها برفع حالة الاستنفار والاستعداد لتقديم أفضل ما عندها من الوجبات لزبائنها مما يتناسب مع طبيعة الشهر المبارك في الافطار والسحور، وقد أثرت الحياة العصرية على نوعية الأطعمة التي تقدم خلال رمضان مثلما أثرت في سائر الأمور الحياتية، وللوقوف على بعض العادات والتقاليد على الموائد الرمضانية الكويتية بين الماضي والحاضر، فلنقم باستعراض ما كانت عليه هذه العادات بالأمس وما آلت اليه اليوم.
الأكلات الشعبية الكويتية منذ القدمتحتفظ الموائد الكويتية منذ عقود من الزمان بأطباق مختلفة واصلت الاجيال المتعاقبة المحافظة على معظمها حتى وقتنا الحاضر، ومن أهم هذه الاطباق:ـ الهريس (الهريسة) : والتي تعد واحدة من الأكلات الشعبية الكويتية المعروفة خلال هذا الشهر والتي تشكل طبقا رئيسيا وأساسيا فيها، وتحتاج الى عملية معقدة لاعدادها كما ان تكاليفها مرتفعة، ويرتبط الهريس أو (الهريسة) عادة بالأفراح والمناسبات وليالي رمضان المبارك.
وتتكون الهريسة من القمح المجروش واللحم، وفي الماضي كان حـب القمح يدق باليد ويستخدم في دقه ما يسمى (بالمنحاز أو الليوان) أو الهاون وكانت مهمة الدق تستغرق وقتا طويلا وكان الذين يدقونه يغنون أغنية (علاّية) المعروفة حيث كانت تتردد على ألسنتهم حتى يفرغوا من هذه المهمة. ويؤتى باللحم فيغسل وينظف ويوضع مع القمح المدقوق في قدر به ماء يغلي على النار ويضاف اليه قليل من الملح. ويبقى كذلك حتى يذوب الخليط في بعضه وبعد أن ينضج يصب الخليط (الهريسة) في (البرمة) وهي عبارة عن قدر من الفخار ذي فوهة صغيرة ثم يتم انزالها داخل الحفرة (التنـور).
التشريب: وهي عبارة عن خبز الخمير أو الرقاق مقطع قطع صغيرة ويسكب عليه مرق اللحم الذي يحتوي في الغالب على صنفين هما القرع والبطاطس وحبات من الليمون الجاف الذي يعرف بـ (اللومي) الصحاري الذي يتم جلبه من سلطنة عمان حيث يفضل الصائم اكلة التشريب لسهولة صنعها وخفة هضمها على المعدة ولذة طعمها. الجريش: ويعتبر من الاكلات الشعبية المفضلة في شهر رمضان حيث يطبخ من القمح وكان الكويتيون قديما يقولون صالح مالح ما يحب الا الجريش لقمته في العيش كبر المنصبة.
اللقيمات: وهي من حلويات شهر رمضان وتعرف بـ (لقمة القاضي) وتعد من الحليب والهيل والسمن والزعفران والعجين المختمر وتقطع لقيمات وتلقى في الدهن المغلي حتى الاحمرار ثم توضع في سائل السكر او الدبس. البثيث والخبيص: وهما اكلتان شعبيتان غالبا ما تقدمان في شهر رمضان وتصنعان من الدقيق والتمر والسمن. ومن حلويات شهر رمضان قديما في الكويت اكلة «الساغو» وهي تشبه المهلبية وتسمى «الماغوطة» ويدخل في تركيبها مسحوق جمار جوز الهند عوضا عن النشا وسميت ماغوطة لان سائلها مطاطي. واهم ما يميز هذه الحلويات نكهتها ومذاقها الطيب ورائحتها المميزة فكان يدخل في صناعتها الهيل والدارسين والزعفران وهي مجموعة من البهارات الحلوة المذاق.
هناك ايضا القهوة الحلوة وهي عبارة عن الزعفران المغلي بقليل من السكر. وقد اعتاد اهالي الكويت في السهرات الرمضانية في الماضي وبالأخص في الدواوين التي تستمر في استقبال روادها الى ساعات متأخرة من الليل الى تقديم أطباق خاصة من الأكل تعرف بـ (الغبقة) وتختلف بالشكل والنوع عما يتم تقديمه في الوقت الحاضر حيث يتم الآن تقديم وجبات دسمة وفي ساعة متقدمة وفي وقت يقارب السحور.
يوم القريش
ويعـد عادة كويتية شعبية قديمة اندثرت في الوقت الحالي الى حد ما حيث كان الاحتفال بـ (يوم القريش) يكون في آخر أيام شهر شعبان، ويكون الاحتفال به بأن تقوم كل عائلة بالذهاب الى بيت كبير العائلة (العـود) وهم يحملون ما لذ وطـاب مـن الأكلات المتوافرة في بيوتهم وذلك للاحتفال بقدوم الشهر الفضيل من ناحية وللقاء بقية أفراد الأسرة من ناحية أخرى، وأطلق على هـذا اليوم كلمة (القريش) لان كل أسرة تجود بما لديها من أطعمة ومأكولات بكرم وسخاء وهو ما يعبر عن معنى الكلمة، فالقريش في اللغة تعني السخاء، ويقال ان أصل كلمة (القريش) هـو تصغير لكلمة (قرش) لتدل على صغر الوجبة أو قيمتها المادية، فالقريش هو آخر وجبة يتناولها أهل البيت قبل بداية رمضان، وهي وجبة مكونة من بقايا الأكل الموجود بالمنزل والذي لا يصلح للتناول في رمضان، مثل السمك المجفف والتمر القديم والأرز... وفي يوم القريش كانت الأسماك تمثل الوجبة الرئيسية لدى معظم الأسر
تدور الأيام ويحل على الأمة الاسلامية الشهر التاسع من كل عام هجري ضيفا كريما تهفو اليه النفوس وتحن للقائه القلوب، وتدمع لفراقه العيون، فقد خص الله عز وجل أيام الشهر الفضيل بمكانة لا تعادلها في خصائصها وفضائلها أية أيام أخرى طوال العـام، وتعبيرا عن هذه المكانة العظيمة خطب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الناس بقوله: «يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، شهر المواساة، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال عليه الصلاة والسلام: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شـهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ومـن سـقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وينتظر المسلمون في جميع بقاع الأرض شهر رمضان المبارك ويشتاقون إليه اشتياقاً عجيباً لا يوجد في أي دين آخر، فيبدأ المسلمون استعدادهم للشهر الكريم منذ شهر شعبان الذي كان يصومه النبي صلى الله عليه وسلم جُلَّه. ويعود اهتمام المسلمين بقدوم شهر رمضان لأنه يعظم فيه الأجر وتفتح فيه أبواب الخير لكل راغب، وهو شهر الخير والبركات وشهر التقوى والصلاح، وشهر الصوم والصلاة وقراءة القرآن.. تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفّد فيه مردة الشياطين.. ويسعد فيه المسلمون أكثر من سعادتهم في أي وقت آخر طوال العام، حيث يضفي الفرحة على جميع البيوت والأفراد ويتساوى في ذلك المسلمون كافة في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف أجناسهم وألوانهم.
لقد اعتاد المسلمون منذ مئات السنين على مظاهر شتى لاستقبال شهر رمضان مثل رؤية الهلال والموائد الرمضانية التي يقيمها الأغنياء وأهل الخير لإطعام الفقراء، والمسحراتي ودوره في إيقاظ الصائمين لطعام السحور، ومدفع الإفطار الموجود في بعض الدول الإسلامية، إلى غير ذلك من مظاهر الحفاوة بشهر الصيام.
هذه المظاهر التي تحولت إلى عادات ، واحتلت صفحات ناصعة ومهمة من تاريخ الشعوب، حتى أصبحت بعد ذلك علامات فارقة ومميزة لكثير من البلدان ، رغم تشابهها في كثير من الأحيان ، واختلافها في أحيان أخرى ، وهذه نماذج لكيفية استقبال شهر رمضان الفضيل في بعض البلدان:
في مصروفي مصر تزيَّن الشوارع والحارات بالأعلام والبيارق الورقية منذ الأسبوع الأخير من شهر شعبان، بحيث تشهد الأحياء والأزقة في مصر ظاهرة جميلة بربط الحبال بين البيوت المتقابلة، تعلّق عليها الرايات والفوانيس. وقصة استعمال الفوانيس بكثرة في رمضان هي قصة طويلة تعاد فصولها في كل رمضان ضرورة، فقد كان المصريون في القديم يستعملون الفوانيس (الشمعية) التي تستعمل الشمع كأداة للإضاءة.
والأطفال في الشهر الفضيل حكاية ظريفة وجميلة، فهؤلاء يخرجون ليلة رؤية هلال رمضان إلى الطرقات سواء مع أقرانهم من الأطفال، أو إلى جانب أفراد عائلتهم، مرتدين أحلى ما عندهم من ثياب، وحاملين الأعلام والفوانيس الرمضانية، يغنون الأناشيد والأهازيج الخاصة بهذا الشهر الكريم في فرحة جماعية عارمة.
في السودانمثل كثير من الدول الإسلامية يترقّب الناس في السودان قدوم هذا الشهر الفضيل بفيض من الشوق والاستعداد، ويدخرون له ما طاب من المحاصيل الزراعية والبقوليات والتمر منذ وقت مبكر، وقبيل حلول الشهر الكريم يقوم السودانيون بشراء التوابل وقمر الدين ويقومون بإعداد مكونات شراب شهير يسمى (الحلومر) وهو يصنع من عدة مواد أهمها الذرة والتوابل وغيرها، وتحتوي المائدة السودانية على بعض الأكلات المقلية والحلويات و(العصيدة ) والسلطات، وأنواع عديدة من المشروبات المحلية والعصائر المعروفة، فضلاً عن (سلطة الروب) والشوربة وغيرها من مكونات المائدة الرمضانية العامرة.
شيء مهم ولافت للنظر في العادات السودانية في رمضان وهو إفطار الناس في المساجد وفي الساحات التي تتوسط الأحياء، وعلى الطرقات تحسباً لوجود مارة ربما يكونون بعيدين عن منازلهم أو وجود عزّاب في الأحياء قد لا يتوفر لديهم الوقت لصنع الطعام بالطريقة التي يريدونها، فقبل الغروب بدقائق تجد الناس يتحلَّقون في جماعات خلال لحظات الإفطار لاصطياد المارة ودعوتهم لتناول الإفطار معهم. وبعد الفراغ من الإفطار يتناولون القهوة ثم يقضون بعض الوقت قبل الذهاب إلى صلاة التراويح.
في فلسطينولا يختلف رمضان كثيراً في فلسطين، فرغم الاحتلال الإسرائيلي،
فإن شهر رمضان له عاداته من إفطار وسحور وحلويات، وصلاة تراويح وقيام ليل وقراءة القرآن وزيارات الأهل. من أهم الأطعمة الفلسطينية المقلوبة، وهي مكونة من الأرز ومقلي الباذنجان أو الزهرة أو البطاطس، وكذلك البصل المقلي والثوم، توضع اللحمة بعد النضج أسفل الوعاء (الحلة) ثم يوضع الثوم المقلي ثم يوضع الأرز وتوضع بعد ذلك التوابل ويسكب المرق وتوضع على نار هادئة حتى النضج، ثم توضع ملعقة سمن على الأرز، وبعد ذلك تقلب في صينية وتقدَّم كما هي مع اللبن (الزبادي) أو سلطة خضار. ومن الأكلات الشعبية أيضاً الفتة، وهي مكونة من الرقاق والأرز، يوضع الرقاق بعد أن يقطع قطعاً صغيرة ويسكب عليه المرق ثم يوضع الأرز وبنسب مختلفة حسب المزاج والرغبة، وهناك من يضع على الأرز اللوز أو الصنوبر المقلي على الوجه ثم توضع اللحوم. كذلك هناك أكلة تسمى السماقية، مكونة من السلق والسماق واللحم المفروم والحمص والبصل والطحينية الحمراء والجرادة (الشبت) والثوم وبمقادير تناسب كمية السماق.
في سوريةوتستقبل سورية رمضان بتعليق لافتات في الشوارع، لتهنئة المسلمين بقدوم شهر رمضان، كتب في بعضها أهلاً بك يا رمضان والبعض الآخر أحاديث نبوية عن فضل الشهر الكريم، مع تزيين الشوارع بالأنوار والمصابيح، وكذلك بعض مداخل البنايات. كما يطلق البعض الألعاب النارية بألوانها وأنواعها الجميلة. ويزداد الإقبال على المأكولات والمشروبات والحلويات.
وفي سورية تشتهر التبولة والبطاطا المقلية والفطائر بالسبانخ والكبة النيئة، بالإضافة إلى السنبوسك وحساء العدس المجروش. أما الأكلة الرئيسة ففتة المكدوس (وهي من الباذنجان واللحم المسلوق وخبز مقلي ولبن) وفتة المقادم، والفوارغ والقبوات وهي عبارة عن خروف محشو بالأرز واللحم والصنوبر.
أما على السحور فالطبق الناعم يؤكل عادة وهو عبارة عن رقاقات من العجين ترش عليها دبس العنب والحلويات فالقطايف العصافيري وهي عبارة عن عجينة دائرية تـُحشى بالقشطة البلدي ويرش عليها القطر.
في لبنانويستقبل الناس شهر رمضان في لبنان بشوق إلى لياليه ذات الطابع الخاص، فتضج الطرقات بالناس وخاصة ساعة الإفطار، حيث يهرعون إلى بيوتهم قبل أذان المغرب، ونرى الزينة في الطرقات وكأنها عروس.
كما تزدحم الجوامع بالمصلين خاصة مسجد السلام الذي يحضر فيه الشيخ محمد جبريل سنوياً في العشر الأواخر من هذا الشهر لإقامة صلاة التراويح. كما يتبادل الناس التهنئة بمناسبة قدوم هذا الشهر.
ويشيع في لبنان شرب الحساء بجميع أنواعه والفتوش المؤلَّف من الخس والبندورة والخيار والحامض، والبطاطا المقلية والحمص بالطحينة المشهور لبنانياً. أما الأكل الرئيسي فالشائع الملوخية الورق مع الدجاج بالإضافة إلى الكبة المقلية. أما بالنسبة للحلويات فالشعيبيات والأرز بالحليب من أهم الأنواع المفضلة.
في المغرب وفي المغرب يستقبلونه بفرحة عارمة وقلوب تواقة، ويعيش أكثرهم هذا الشهر في صيام حقيقي وطاعة مطلوبة، فكلنا يعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي معناه أن كثيراً من الناس ليس لهم من الصوم إلا الجوع والعطش.
ولذلك يحاول البعض أن يستفيد من هذا الشهر بالتقليل من الأكل والإكثار من الطاعات كالتصدق وتقديم وجبات الإفطار للمحتاجين وقيام الليل وقراءة القرآن الكريم.
وفي المغرب تشتهر الموائد في رمضان بشربة الحريرة، والتمر والحليب و(الشباكية) و(البغرير) و(الملوي).. فيما تعتبر شربة الحريرة في مقدمة الوجبات؛ إذ لا يعتبر كثيرون للإفطار قيمة من دونها؛ ولذلك بمجرد ذكر شهر رمضان تذكر معه (الحريرة) عند الصغار والكبار على السواء، كما ينتشر الباعة المتجولون على الطرقات والأماكن الآهلة بالسكان ليبيعوا هذه الوجبات دون غيرها. وبعد الحريرة تأتي (الشباكية) وهي حلوى تصنع غالباً في البيوت بحلول الشهر الكريم.
في الجزائرويختص الشعب الجزائري خلال شهر رمضان بعادات نابعة من تعدد وتنوّع المناطق التي تشكله كما يشترك في كثير من التقاليد مع الشعوب العربية والإسلامية الأخرى.
وتتميز الجزائر بالحمامات التي تلقى إقبالاً كبيراً من العائلات في الأيام الأخيرة من شهر شعبان للتطهّر واستقبال رمضان للصيام والقيام بالشعائر الدينية وتنطلق إجراءات التحضير لهذا الشهر الكريم قبل حلوله بشهور من خلال ما تعرفه تقريباً كل المنازل الجزائرية من إعادة طلاء المنازل أو تطهير كل صغيرة وكبيرة فيها علاوة على اقتناء كل ما يستلزمه المطبخ من أوانٍ جديدة وأغطية لاستقبال هذا الشهر.
وتتسابق ربات البيوت في تحضير كل أنواع التوابل والبهارات والخضر واللحوم البيضاء منها والحمراء لتجميدها في الثلاجات حتى يتسنى لهن تحضير ما تشتهيه أفراد عائلتهن بعد الصيام.
في الكويت وفي الكويت تتلخص ملامح رمضان في إقبال الناس على المساجد وتلاوة القرآن والذهاب إلى الأسواق والدواوين والسهر أمام الفضائيات والبعض يقيم الليل بعد الساعة الثانية صباحاً، وهناك مظاهر أخرى كثيرة من التواصل مع الأرحام وإعداد الولائم ودعوة العائلات لها وتبادل الزيارات وحضور دروس العلم بالمساجد.
ويكتسب رمضان في الكويت مذاقاً خاصاً، يحرص من خلاله الكويتيون على إحياء تقاليد وعادات توارثوها من أزمنة بعيدة عن الأجداد ونكهة خاصة وأجواء روحانية في ظل ترابط اجتماعي متميز.
وفي الكويت تشتهر (الهريس) كطبق رئيسي، حيث تصنع من القمح المهروس مع اللحم مضافاً إليها السكر الناعم والسمن البلدي والدارسين (القرفة) المطحونة، وهناك أكلة التشريب وهي عبارة عن خبز الخمير أو الرقاق مقطعاً قطعاً صغيرة ويسكب عليه مرق اللحم الذي يحتوي غالباً على القرع والبطاطس وحبات من الليمون الجاف الذي يعرف بـ (لومي)، حيث يفضّل الصائم أكلة التشريب لسهولة صنعها وخفة هضمها على المعدة ولذة طعمها، وهي عبارة عن خبز التنور إلا أنه في الوقت الحاضر يستخدم خبز الرقاق وهو خبز رقيق. وهناك الجريش الذي يطبخ من القمح واللقيمات وهي حلويات، وتعرف بلقمة القاضي وتصنع من الحليب والهيل والسمن والزعفران والعجين المختمر وتقطع لقيمات وتلقى في الدهن المغلي حتى الاحمرار ثم توضع في سائل السكر أو الدبس، وهناك أيضاً البثيث والخبيص اللتان تصنعان من الدقيق والتمر والسمن.
في العراق وفي العراق يشتري المسلمون مستلزمات رمضان قبيل حلوله بعشرين يوماً، وتوضع الزينة والإنارة الضوئية على معظم محال الملابس والحلويات. ويتكون الإفطار من الشوربة التي تتكون من: عدس وشعيرية وكرافس أخضر، والأرز والمرقة التي تتكون من فاصوليا وبامية وباذنجان، إضافة إلى الكباب المشوي والكبب المقلية والنيئة.
وبعد صلاة العشاء والتراويح يتم تناول الحلويات التي أشهرها البقلاوة والزلابية والشعيرية والكنافة.
في الصومالويستقبل الصوماليون رمضان بالطلقات النارية ويقومون الليالي العشر الأواخر بالاعتكاف في المساجد وحلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم وتفسير الأحاديث ويقوم الوعاظ بترجمة فورية للقرآن من اللغة العربية إلى الصومالية.
وتقدَّم على مائدة الفطور في رمضان مشروبات ومأكولات خفيفة مثل عصير المانجو والجوافة، كما يتم تناول الموز والبطيخ والباباي، كما يشكِّل اللبن وجبة أساسية وخاصة في المناطق الجنوبية وحتى في العاصمة ثم يتوجه بعد ذلك لأداء صلاة المغرب ثم يتناولون فطوراً مكوناً من الأرز والخضراوات والشعيرية والمكرونة والعصيدة واللحوم. ويحرص الصوماليون على طبخ كل وجبة من وجبات شهر رمضان المعظم في موعدها على أن تكون عملية الطبخ جديدة بمعنى، ألا يأكل الصوماليون بقية الوجبة السابقة، بل يطبخون من جديد في كل وجبة، أما السحور فيعتمد على الحليب والشعيرية والمكرونة.
جزر القمروفي جزر القمر يسهر الناس على السواحل حتى الصباح استعداداً لشهر رمضان بدءاً من شهر شعبان، ويعدون المساجد فيشعلون مصابيحها ويعمرونها بالصلاة وقراءة القرآن الكريم كما يكثرون من الصدقات وفعل الخير.
وفي الليلة الأولى من رمضان يخرج السكان حاملين المشاعل ويتجهون إلى السواحل، حيث ينعكس نور المشاعل على صفحة المياه ويضربون الطبول إعلاناً بقدوم رمضان ويظل السهر حتى السحور. ومن الأطعمة الرئيسية على مائدة الفطور الثريد إضافة إلى اللحم والمانجو والحمضيات ومشروب الأناناس.
في إندونيسيا رغم أن إندونيسيا تتكون من أكثر من 3000 جزيرة تتناثر على امتداد جنوب شرق آسيا وأستراليا، وتمتد بين الملايو وغينيا الجديدة، لكن تقاليد هذه الجزر الكثيرة تتوحّد خلال شهر رمضان رغم اختلافها من جزيرة إلى أخرى في غيره من الشهور، حيث يستقبل جميع الإندونيسيين الشهر المبارك بذبح الذبائح ابتهاجاً بقدومه.
ويذهب الإندونيسيون إلى المساجد التي تفتح أبوابها طوال النهار لتلاوة القرآن الكريم ويسمى (تداروس) ومن أشهر المساجد في البلاد مسجد (رابا)، ومسجد (الشهداء)، ومسجد (بيت الرحيم) في ساحة القصر الجمهوري في جاكرتا.. وتتزيّن المساجد والبيوت طوال شهر رمضان المبارك بالفوانيس الجميلة المزخرفة وتسمى (قلمان).
ومن عادات أهل البلاد عند انتهاء صلاة التراويح وذهاب كل إلى بيته أن ترى شباب كل قرية وقد تجمعوا بالقرب من المسجد للغناء والابتهالات حتى موعد السحور فتقوم الجماعة صاحبة النوبة بإيقاظ الأهالي للسحور، باستخدام آلة تُسمى (بدوق)، وفي الليلة التالية تقوم جماعة أخرى من الشباب بنفس العمل أي في شكل مناوبات، أما المدن الكبيرة فتنطلق المدافع لإيقاظ السكان للسحور، كما تنطلق مرة أخرى للإمساك إيذاناً ببدء صوم يوم جديد، كما تبرز مظاهر التكافل الاجتماعي بين شرائح المجتمع، حيث تقيم الأسر الغنية موائد الرحمن للفقراء والمحتاجين طوال الشهر، وتزيد في العطايا والصدقات خلال ليلة القدر، كما تنشط الجمعيات الخيرية في ربوع البلاد لتجمع زكاة الفطر قبل يوم العيد ليتم توزيعها على المحتاجين.
في هولندا تخلو شوارع المدن الهولندية الكبرى من أي مظاهر توحي بوجود الشهر الكريم، لكن مقرات المساجد والجمعيات الإسلامية والمقاهي وسائر الأماكن العامة التي يتجمع فيها أبناء الأقلية المسلمة تعكس بوضوح استثنائية وأهمية هذا الشهر لدى غالبية المسلمين على اختلاف أعمارهم وقومياتهم وانتماءاتهم. وتشهد الساحة الإسلامية في هولندا خلال شهر رمضان، تنظيم برامج خاصة من قبل جمعيات ومؤسسات أهلية تابعة للأقلية المسلمة، تتوزع على الإفطار الجماعي الذي يدعى إليه المسلمون والهولنديون على السواء، ومحاضرات ومؤتمرات تعالج قضايا عامة تخص الأمة الإسلامية، وخاصة تتعلق بالمشاكل التي تواجه الأقلية المسلمة في هولندا.
وتعتبر منظمات العمل الخيري الإسلامية، شهر رمضان فرصة ذهبية لعملها، حيث تنظم حملات تبرع خلاله، تجند لها عشرات الدعاة الذين يتنقلون بين المساجد ومقرات المنظمات الإسلامية، للتعريف بأهدافها وحث المصلين على التصدق لمساعدة المحتاجين.
في أميركا من أهم عادات المسلمين بالولايات المتحدة الأميركية خلال شهر رمضان المبارك إقامة موائد إفطار جماعية تتبعها صلاة التراويح مما يعد مناسبة مهمة للتقارب الاجتماعي بين المسلمين. ويلمس المراقب لحياة المسلمين خلال الشهر الكريم نشاطاً غير عادي مثل ترددهم على مساجدهم لأسباب مختلفة على رأسها صلاة التراويح كعلامة على انتشار الإسلام والمسلمين ووجودهم بالمدن والقرى الأميركية المختلفة، وعلى أن التجمعات المسلمة المحلية في طريقها إلى النضج وإلى أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من النسيج الديني للمجتمع الأميركي.
ونتيجة للزيادة الملموسة في أعداد المسلمين وتدفق المهاجرين المسلمين على العاصمة الأميركية وضواحيها جعل الطلبة المسلمين يشعرون بحرية أكبر في التعبير عن دينهم بعكس الأجيال السابقة التي اضطر بعضها لإخفاء صيامهم رغبة منهم في التوافق مع البيئة المحيطة بهم, ودفع كثير من المدارس للتكيف مع حاجات طلبتها المسلمين خلال شهر رمضان المبارك. وتخصص بعض المدارس قاعات خاصة لطلبتها المسلمين خلال فترات الاستراحة بعيدة عن غرف تناول الطعام، يستخدمها الطلبة المسلمون للقيام بأنشطة مختلفة مثل دراسة التاريخ الإسلامي ومناقشة العبرة من الصيام في ما بينهم بدلاً من تناول طعام الغذاء مثل بقية زملائهم.
السحور...من «بلال» و«ابن أم مكتوم»
إلى المسحراتي و«المدفع»
لحرص المسلمين على طعام السحور تعددت وسائل وأساليب تنبيه الصائمين وإيقاظهم وقت السحر، ففي العهد النبوي كانوا يعرفون وقت السحور بأذان بلال، ويعرفون الإمساك بأذان ابن أم مكتوم، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتعدد الولايات بدأت تظهر وسائل أخرى للسحور فظهرت وظيفة المسحراتي في العصر العباسي، حيث يعتبر عتبة بن إسحاق والي مصر أول من طاف شوارع القاهرة ليلاً في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور عام 238هـ وكان يتحمل مشقة السير من مدينة العسكر إلى الفسطاط منادياً الناس (عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة).
وفي العصر الفاطمي أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمراً بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور، ومع مرور الأيام عين أولو الأمر رجلاً للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي يا أهل الله قوموا تسحروا، ويدق على أبواب البيوت بعصا كان يحملها في يده تطورت مع الأيام إلى طبلة يدق عليها دقات منتظمة.
وعلى امتداد العالم الإسلامي اتخذ المسحرون أشكالاً مختلفة، ففي عمان يوقظ المسحراتي النائمين على الطبلة، وفي الكويت يقوم المسحراتي ومعه أولاده بترديد بعض الأدعية وهم يردون عليه، وفي اليمن يدق أحد الأهالي بالعصا على باب البيت وهو ينادي على أهله قائما: قوموا كلوا، وفي السودان يطرق المسحراتي البيوت ومعه طفل صغير يحمل فانوساً ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت، حيث ينادي عليهم بأسمائهم قائلاً (يا عباد الله وحّدوا الدايم ورمضان كريم).
أما في سورية ولبنان وفلسطين فكان المسحراتي يوقظ النائمين بإطلاق الصفارة، وقبل رمضان يطوف على البيوت ويكتب على باب كل بيت أسماء أفراده حتى يناديهم بأسمائهم أثناء التسحير، وفي الأيام العشرة الأخيرة من رمضان التي يصنع فيها الناس الكعك يقول المسحراتي: (جوعوا تصحوا حديث عن سيد السادات... له العيان بينة والتجربة إثبات... إن كنت تسمع نصيحتي والنصيحة تفيد... قلّل من الأكل ما أمكن من دون ترديد... وأكل الكعك بعد الصيام يوم العيد يتعب الصحة، يسبب الضرر ويزيد).
وفي المغرب العربي يقوم المسحراتي بدق الباب بعصاه ليوقظ النائمين... وفي مصر اعتاد الصائمون على مدفع الإفطار والإمساك قبل الأذان مباشرة، حيث عرف مدفع الإفطار في العصر المملوكي، وكانت القاهرة أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب إيذاناً بالإفطار في رمضان.
وقد استمر المدفع يعمل بالذخيرة الحيَّة حتى عام 1859م ميلادية، ولكن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة، وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة (الفشنك) غير الحقيقية، أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية.
عندما تكون السنة كلها رمضان
مما يروى ان الحسن بن صالح باع جارية له فلما انتصف الليل قامت فنادت اهل الديار... الصلاة الصلاة، قالوا اطلع الفجر قالت وانتم لا تصلون إلا المكتوبة؟! ثم جاءت الحسن وقالت: لقد بعتني لقوم لا يصلون إلا المكتوبة ردني... ردني... ردني...
وكذلك يروى ان رجلا باع جارية الى قوم فرأتهم يتجهزون بشراء الاطعمة والاشربة فسألت عن ذلك فقالوا نستعد لشهر رمضان فقالت وانتم لا تصومون إلا رمضان لقد كنت عند قوم السنة كلها عندهم رمضان.
وفي سؤال الى احدى الاخوات التي تركت الفن واصبحت هي وزوجها من الدعاة الى الله تعالى عن حالها في رمضان فقالت ان السنة كلها عند رمضان.
فهل من الممكن ان يكون حال المسلم في طوال العام مثل حاله في رمضان اعني المداومة على الصيام والقرآن والقيام بحيث لا يقل ما يفعله في اي يوم او ليلة عما كان يفعله في رمضان اقول نعم نعم وقد روي عن الكثير من السلف انهم لو قيل لهم ان القيامة تقوم غدا ما استطاعوا ان يزيدوا من اعمالهم شيئا.
وحدثني من اعرفه انه كان يشتغل طوال العام حتى يوم العيد لم يكن لديه اجازة نهائيا اللهم ايام الاعتكاف وكان يشعر بالسعادة والراحة والطمأنينة والقرب من الله في ايام الاعتكاف وكان يتمنى ان يتفرغ للعبادة والمكوث في المسجد ولكن اين طلبات الأولاد والعمل و... المهم انه كان يسأل الله ان يفرغه للعبادة ورغم بعد عمله عن الامامة إلا انه فوجئ في احد الايام بمجموعة من اصدقائه يقولون له فتحت الكليات الشرعية بجامعة الازهر ابوابها للحاصلين على مؤهلات جامعية فقال لهم بعد هذه السن عندنا صحيح البخاري والكتب الستة وفقه السنة وطلب العلم الشرعي ميسر فقالوا له لا بد ان تنضم معنا وندخل كلية اصول الدين وكان توفيق الله فدخل كلية اصول الدين ومن العجب ان معظم اصحابه لم يكملوا الدراسة منهم من اشتغل بالمحاماة والآخر سافر مع زوجته الى السعودية وأتم هو الدراسة وفي يوم من الأيام قابله زميل له من الطلبة صغار السن في الكلية فقال له ألم تحصل على عمل بعد فقال لا توجد وظائف حاليا فقال له ألم تبحث عن عمل في دولة عربية فقال له ان الاعلان الذي طلبته دولة الامارات لا ينطبق علي لصغر سني حيث انهم يشترطون سن اربعين سنة على الأقل فسأل عن الإعلان فإذا هو لدولة الكويت واذا هو ينطبق عليه وكأنه مطلوب بالاسم وتقدم ونجح وعين إماما بأحد مساجد الكويت ليتفرغ لعبادة الله وحده وليكون دائما في المسجد الذي تمنى ان يكون دائما به متفرغا لعبادة ربه وقد كفاه الله تعالى مؤونة الأولاد والنفقة.
واصبحت السنة بالنسبة له وكأنها رمضان فمداومة الصيام والمحافظة على قيام الليل والمحافظة على الورد القرآني.
واهمس في اذن من فرغهم الله تعالى لعبادته وأنعم عليهم بنعمة التفرغ لعبادته خصوصا الائمة والمؤذنين لماذا لا تكون السنة عندكم كلها رمضان؟
اللهم انا نسألك حسن الخاتمة ونعوذ بك من سوء الخاتمة ونسألك مرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في الفردوس الاعلى.
مهندس جادالله فرحات
الموائد الرمضانية
في الكويتتبدأ الاستعدادات من جانب شعوب الأمة الاسلامية لشهر رمضان المبارك قبل قدومه بأيام عدة، والذي بمجرد ثبوت رؤية هلاله تبدأ الشعوب في ممارسة طقوسها الرمضانية، وعلى الرغـم من أن العادات والتقاليد ابان شـهر الخير تكاد تكون متشابهة لدى المجتمعات الاسلامية الا أن لكل منـها ما يمـيزه عن غيـره من المجتمـعات خاصة في مظاهر التعبير عن الفرح باستقبال أيام الشهر الكريم بتبادل التهاني واقامة الموائد الرمضانية وتبادل الدعـوات والعزائم بين الأهـل والأصدقاء، وكمـا أن للمسلمين في مختلف جنبات العالم ما يميزهم في الاحتفال بشهر رمضان، فان عادات وتقاليد الاحتفالات اختلفت في كثير من مظاهرها، فبين الأمس واليـوم تغيرت الكـثير من الـعادات الرمـضانية فرمضان الماضي يختلف بلا شك عن رمضان الحالي، ولكن ظلت المائدة الرمضانية تحتل رأس قائمة الاهتمامات في تلك الاحتفالات، حيث يتميز كل شعب من الشعوب الاسلامية ببعض الأكلات التي يرتبط اعدادها بالشهر المبارك ومن هذه الأكلات ما يمكن أن تكون في طريقها الى الاندثار ومنها ما زال يمثل طبقا رئيسيا على مائدة الافطار لـدى تلك الشعوب. وتهتـم جمـيع البيوت الكويتية باعداد الولائم واقامة العزائم حيث يجدون في أيام وليالي الشهر الكريم مناسبة طيبة لاجتماع ولقاء الأهـل والأصدقاء في المنازل والديوانيات، وتبدأ المطاعم على مختلف أشكالها وأنواعها برفع حالة الاستنفار والاستعداد لتقديم أفضل ما عندها من الوجبات لزبائنها مما يتناسب مع طبيعة الشهر المبارك في الافطار والسحور، وقد أثرت الحياة العصرية على نوعية الأطعمة التي تقدم خلال رمضان مثلما أثرت في سائر الأمور الحياتية، وللوقوف على بعض العادات والتقاليد على الموائد الرمضانية الكويتية بين الماضي والحاضر، فلنقم باستعراض ما كانت عليه هذه العادات بالأمس وما آلت اليه اليوم.
الأكلات الشعبية الكويتية منذ القدمتحتفظ الموائد الكويتية منذ عقود من الزمان بأطباق مختلفة واصلت الاجيال المتعاقبة المحافظة على معظمها حتى وقتنا الحاضر، ومن أهم هذه الاطباق:ـ الهريس (الهريسة) : والتي تعد واحدة من الأكلات الشعبية الكويتية المعروفة خلال هذا الشهر والتي تشكل طبقا رئيسيا وأساسيا فيها، وتحتاج الى عملية معقدة لاعدادها كما ان تكاليفها مرتفعة، ويرتبط الهريس أو (الهريسة) عادة بالأفراح والمناسبات وليالي رمضان المبارك.
وتتكون الهريسة من القمح المجروش واللحم، وفي الماضي كان حـب القمح يدق باليد ويستخدم في دقه ما يسمى (بالمنحاز أو الليوان) أو الهاون وكانت مهمة الدق تستغرق وقتا طويلا وكان الذين يدقونه يغنون أغنية (علاّية) المعروفة حيث كانت تتردد على ألسنتهم حتى يفرغوا من هذه المهمة. ويؤتى باللحم فيغسل وينظف ويوضع مع القمح المدقوق في قدر به ماء يغلي على النار ويضاف اليه قليل من الملح. ويبقى كذلك حتى يذوب الخليط في بعضه وبعد أن ينضج يصب الخليط (الهريسة) في (البرمة) وهي عبارة عن قدر من الفخار ذي فوهة صغيرة ثم يتم انزالها داخل الحفرة (التنـور).
التشريب: وهي عبارة عن خبز الخمير أو الرقاق مقطع قطع صغيرة ويسكب عليه مرق اللحم الذي يحتوي في الغالب على صنفين هما القرع والبطاطس وحبات من الليمون الجاف الذي يعرف بـ (اللومي) الصحاري الذي يتم جلبه من سلطنة عمان حيث يفضل الصائم اكلة التشريب لسهولة صنعها وخفة هضمها على المعدة ولذة طعمها. الجريش: ويعتبر من الاكلات الشعبية المفضلة في شهر رمضان حيث يطبخ من القمح وكان الكويتيون قديما يقولون صالح مالح ما يحب الا الجريش لقمته في العيش كبر المنصبة.
اللقيمات: وهي من حلويات شهر رمضان وتعرف بـ (لقمة القاضي) وتعد من الحليب والهيل والسمن والزعفران والعجين المختمر وتقطع لقيمات وتلقى في الدهن المغلي حتى الاحمرار ثم توضع في سائل السكر او الدبس. البثيث والخبيص: وهما اكلتان شعبيتان غالبا ما تقدمان في شهر رمضان وتصنعان من الدقيق والتمر والسمن. ومن حلويات شهر رمضان قديما في الكويت اكلة «الساغو» وهي تشبه المهلبية وتسمى «الماغوطة» ويدخل في تركيبها مسحوق جمار جوز الهند عوضا عن النشا وسميت ماغوطة لان سائلها مطاطي. واهم ما يميز هذه الحلويات نكهتها ومذاقها الطيب ورائحتها المميزة فكان يدخل في صناعتها الهيل والدارسين والزعفران وهي مجموعة من البهارات الحلوة المذاق.
هناك ايضا القهوة الحلوة وهي عبارة عن الزعفران المغلي بقليل من السكر. وقد اعتاد اهالي الكويت في السهرات الرمضانية في الماضي وبالأخص في الدواوين التي تستمر في استقبال روادها الى ساعات متأخرة من الليل الى تقديم أطباق خاصة من الأكل تعرف بـ (الغبقة) وتختلف بالشكل والنوع عما يتم تقديمه في الوقت الحاضر حيث يتم الآن تقديم وجبات دسمة وفي ساعة متقدمة وفي وقت يقارب السحور.
يوم القريش
ويعـد عادة كويتية شعبية قديمة اندثرت في الوقت الحالي الى حد ما حيث كان الاحتفال بـ (يوم القريش) يكون في آخر أيام شهر شعبان، ويكون الاحتفال به بأن تقوم كل عائلة بالذهاب الى بيت كبير العائلة (العـود) وهم يحملون ما لذ وطـاب مـن الأكلات المتوافرة في بيوتهم وذلك للاحتفال بقدوم الشهر الفضيل من ناحية وللقاء بقية أفراد الأسرة من ناحية أخرى، وأطلق على هـذا اليوم كلمة (القريش) لان كل أسرة تجود بما لديها من أطعمة ومأكولات بكرم وسخاء وهو ما يعبر عن معنى الكلمة، فالقريش في اللغة تعني السخاء، ويقال ان أصل كلمة (القريش) هـو تصغير لكلمة (قرش) لتدل على صغر الوجبة أو قيمتها المادية، فالقريش هو آخر وجبة يتناولها أهل البيت قبل بداية رمضان، وهي وجبة مكونة من بقايا الأكل الموجود بالمنزل والذي لا يصلح للتناول في رمضان، مثل السمك المجفف والتمر القديم والأرز... وفي يوم القريش كانت الأسماك تمثل الوجبة الرئيسية لدى معظم الأسر
إرسال تعليق