-->
مدونة اجتهاد الاسلامية مدونة اجتهاد الاسلامية
random

موضوعات جميله

random
recent
جاري التحميل ...
recent

حسان بن ثابت شاعر النبي

حسان بن ثابت

حياته :

هو من قبيلة خزرج التي هاجرت من اليمن إلى الحجاز وأقامت في يثرب مع الأوس ، ولد حسان بن ثابت في يثرب قبل ميلاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنحو ثماني سنين ، وشب في بيت وجاهة وشرف ، منصرفا إلى اللهو والغزل ، اتصل في الجاهلية بالغساسنة ومدحهم بشعر جيد ، لما بلغ حسان الستين من العمر دخل الإسلام مع قومه الخزرج ، وراح يدافع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والإسلام بشعره ، أثنى الرسو -صلى الله عليه وسلم- على شعره ، وعطف عليه وقربه منه ، وقسم له من الغنائم والعطايا ووهب له سيرين أخت ماريا القبطية .
توفي حسان بن ثابت نحو سنة 54 هـ ، في عهد معاوية بن أبي سفيان ، يقال أنه عاش مئة وعشرين عاما ، نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام .

حسان شاعر القبيلة :

قبل أن يدخل حسان بن ثابت الإسلام كان منصرفا ، شأنه شأن سائر الشعراء في العصر الجاهلي إلى الذود عن حياض قومه بالمفاخرة ، فكان شعره شعر النضال القبلي الذي تغلب عليه صبغة الفخر والاعتزاز ، وكان التنافس حادا بين قبيلته الخزرج وبين قبيلة الأوس من حيث الفخر والبطولة والكرم ، فكان لكل قبيلة شاعرها أو شعراؤها الذين هم أصوات القبيلة الي ينتمون إليها ، فمما قاله حسان بن ثابت مفتخرا بنفسه وبقبيلته :
لساني وسيفي صارمان كلاهما .. ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي
وإني لمعط ما وجدت وقائل .. لموقد ناري ليلة الريح أوقد
وإني لحلو تعتريني مرارة .. وإني لتراك لما ام أعود
وفي هذه الأبيات واضح أن فخره يدور حول خصاله الحميدة ويجاياه الرائعة ، إذ يفتخر بشعره وشجاعته ، ويعتز بالكرم وإكرام الضيف ، عدا أنه كريم النفس ، بعيد عن السوء ، وأنشد حسان بن ثاب قصيدة في المفاخر والكرام ، نقتطف منها ما يلي :
إذا استدبرتنا اشمس درت متوننا .. كأن عروق الجوف ينضحن عندما
نسود ذا المال القليل ، إذا بدت .. مروءته فينا وإن كان معدما
وإنا بنقري الضيف إذا جاء طارقا .. من الشحم ما أمسى صحيحا مسلما
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى .. وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
أبي فعلنا المعروف أن ننطق الخنا .. وقائلنا بالعرف إلا تكلما
هذه الأبيات أقاها حسان بن ثابت في الجاهلية مفتخرا بقومه ، ويقال أنه أنشدها النابغة في سوق عكاظ ، وفي الأبيات يفتخر الشاعر بقومه ويعدد مآثرهم ، وهي لا تخرج في جملتها عن المكارم التي كان الجاهليون يفاخرون بها ، فهو يقول إذا أصابت الشمس ظهورنا تصبب منها العرق كأنه حب الشجر أحمر اللون ، وإننا نجعل منا سيدا فينا ، ذلك الإنسان الكريم ذا المروءة والشهامة وإن كان ماله قليلا ، كما أننا نكرم الضيف الذي يطرق بابنا ، ونقدم له ما نملك من الطعام واللحوم ، فأوعية طعامنا اللامعة في بداية النهار برهان على امتلائها بكثرة الشحم ، كما أننا أهل حرب وقتال ، سيوفنا تعلوها الدماء الحمر من شدة بأسنا وظفرنا ، فمن خلال هذه الأبيات تظهر لنا نفسية الشاعر حسان بن ثابت يفتخر بقومه وشدة تعصبه لهم ، وهذه العصبية تفسر لنا شدة انفعال حسان ، فلا يكاد أحد يمس قبيلته بسوء حتى تثور ثائرته وينبري للدفاع عنها .
هذا وقد ذكرت كتب الأدب قصة طويلة طريفة حول البيتين الأخيرين المذكورين من هذه الأبيات ملخصها أن النابغة كانت تضرب له قبة من أدم في عكاظ ، فيأتيه الشعراء فينشدونه شعرهم ويحكم بينهم ، فمرة جاءه الشاعر الأعشى ، فأنشد شيئا من شعره ، ثم أنشده حسان بن ثابت شعره ، ثم أنشدته الخنساء فقال لها : لولا إنشاد الأعشى قبلك لكنت فضلتك على شعراء هذا الموسم ، فغضب حسان لتفضيل الخنساء عليه ، فكرر فخره بالبيتين الشعريين ، فقالت له : لقد أضعفت فخرك في ثمانية مواضع ، قلت لنا الجفنات والجفنات ما دون العشر فقللت العدد ، ولو قلت الجفنان لكان أكثر ، وقلت الغر والغرة البياض في الجبهة ، ولو قلت البيض لكان أكثر اتساعا ، وقلت يلمعن واللمعان شيء يومض بعد شيء ولو قلت يشرقن لكان أكثر ، لأن الإشراق أدوم من اللمعان ، وقلت بالضحى ولو قلت بالدجى لكان أبلغ لأن الضيف أكثر طروقا بالليل ، وقلت أسيافنا والأسياف دون العشرة ، ولو قلت سيوف لكان أكثر ، وقلت يقطرن فدللت على قلة القتل ولو قلت يجرين لكان أكثر انصبابا للدماء ، وقلت دما والدماء أكثر من الدم ، وقد فخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك .

حسان ومدح الغساسنة :

لما شعر حسان الشاعر بقدرته على نظم الشعر ، ورأى شعراء زمانه أمثال النابغة والأغشى والحطيئة يتكسبون به ويحترفون المدح ، رغب في عرض مدائحه على ملوك العرب ، فتردد على الغساسنة في الشام وكانت تجمعه بهم صلة القرابة ، لأن قبائل الأوس والخزرج والغساسنة والمناذرة من الأزد اليمنية أصلا .
وفد حسان بن ثابت إلى آل جفنة من ملوك غسان في شرقي الشام وقصدهم بمدائحه ، وكان يمدحهم عاما ويقعد عنهم عاما ، وكانوا يجزلون له العطاء فيرجع إلى قومه بالمدينة محملا بالعطايا والهبات ، وقيل أنهم جعلوا له مرتبا سنويا ، وقد اتصل حسان بعمرو بن الحارث وآخرين وقد تردد الشاعر النابغة على الغساسنة وقصدهم بمدائحه ، وقيل أنه لقي عندهم حسان في بعض الأحيان ، وكان حسان بن ثابت ينادم بني غسان ويمدحهم فكانوا يكرمون وفادته ، وكان لهذه الحياة التي يحياها عندهم أثر في شعره ، وهذه أبيات من قصيدة يمدح بها عمرو بن الحارث الغساني :
لله در عصابة نادمتهم .. يوما بجلق في الزمان الأول
يمشون في الحلل المضاعف نسجها .. مشي الجمال إلى الجمال البزل
أولاد جفنة حول قبر أبيهم .. قبر ابن ماريا الكريم المفضل
يغشون حتى ما تهر كلابهم .. لا يسألون عن السواد المقبل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم .. شم الأنوف من الطراز الأول
فلبثت أزمانا طويلا فيهم .. ثم ادكرت كأنني لم أفعل
يمدح الشاعر بني غسان حين يمدح الأمير عمرو بن الحارث ، ويصوغ المدح في صيغة الجمع فيبدو قويا فخما ، وهو يبدأ بوصف خبر الجماعة ، ويؤدي هذا المعنى في صيغة لله در عصابة ويشير إلى محبته لهم في جلق دمشق ، ثم يصفهم بالشجاعة ويصورهم بصورة منتزعة من جو الحرب والقتال ، فهم يرتدون الدروع المضاعفة النسج استعدادا للحرب ، ويمشون إلى قتال أعدائهم خفاقا وثقالا مشي الجمال إلى الجمال ، وهذه الصورة منتزعة من البيئة البدوية ، كما أنهم منذ أجدادهم آل جفنة أهل حضر ، مستقرون في ديارهم اعتادوا التجمع حول قبور آبائهم ، يذبحون الذبائح ويتصدقون بلحمها ، كما أنهم الممدوحين يتردد إليهم الوافدون والضيوف طلبا لكرمهم وسخائهم المعروف ، فالكلاب قد عرفتهم واعتادت على كمجيئهم فكانت تمتنع عن النباح لكثرة ترددهم وإكرامهم .

حسان شاعر الإسلام :

نصب الشاعر حسان نفسه للدفاع عن الدين الإسلامي الجديد والرد على أنصار القديم ، وقد نشبت بين الطرفين معارك لسانية حامية ، فشعر حسان هنا لم يعد شعر مديح للتكسب ، بل كان للدفاع عن سلطة دينية جديدة ، تحتاج إلى الدعم والمؤازرة في بادئ الأمر ، ومن ثم اصطبغ الشعر بصبغة سياسية حقيقية ، أما المدح الذي نجده في شعر حسان لهذا العهد فهو مقصور على مدح محمد -صلى الله عليه وسلم- وكبار الصحابة الذين دافعوا عن الإسلام فيقول :
نبي أتانا بعد يأس وفترة .. من الرسل والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا .. يلوح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا نارا وبشر جنة .. وعلمنا الإسلام فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي .. بذلك ما عمرت في الناس أشهد
ويلحق بهذا المدح رثاء محمد -صلى الله عليه وسلم- ، فقد ضمنه الشاعر لوعة وأسى وذرف دموعا حارة ، وتذكر أفضال رسول الدين الجديد وحنينه للقائه في النعيم :
مع المصطفى أرجو بذاك جواره .. وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
كذلك نلمس في شعره النضال الديني والسياسي حيث صدق اللهجة وحرارة العاطفة ، والجود بالنفس فداء للرسول -صلى الله عليه وسلم- :
نصرنا وآوينا النبي وصدقت .. أوائلنا بالحق أول قائل
ويوم قريش إذ أتونا بجمعهم .. وطئنا العدو وطأة المتثاقل
ويوم ثقيف إذ أتينا ديارهم .. كتائب نمشي حولها بالمناصل
ففروا وشد الله ركن نبيه .. بكل فتى حامي الحقيقة باسل
فقد نصر قوم حسان بن ثابت الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقاتلوا المشركين ، كما نصر الشاعر الرسول الكريم بلسانه وشعره ، وكان حسان كثير الاعتداد بهذا الشعر ، وأسلوب حسان في الفخر أقرب إلى الجزالة والفخامة وقوة الأسر منه في سائر شعره ، وقد رأينا كيف أن الشاعر كثيرا وفي أغلب الأحيان يفتخر بنفسه أيضا في شعره قائلا :
فلا المال ينسيني حياتي وعفتي .. ولا واقعات الدهر يفللن مبردي
فالشاعر في هذا البيت يعتز بنفسه ولا يجعل من المال هدفا بذاته ليتخلى عن نبله وقيمه في الحياة ، كما أن مصائب الدنيا إذا ما نزلت به فإنها لا تستطيع أن تحطمه أو تصيبه باليأس والضياع ، فله من الإرادة والمقاومة ما يجعله يتجاوز هذه المحن الطارئة .

تأييد وإشادة بالدين الجديد :

كانت وفود العرب من أنحاء الجزيرة العربية تفد على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أن هاجر إلى المدينة ليتحدثوا إليه ويسمعوا منه ، فكثيرا ما كان الوفد يأتي وفيه شاعره وخطيبه ، فيتحدث الخطيب وينشد الشاعر ويرد عليهما شاعر وخطيب من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فقد وفد على الرسول الكريم وفد بني تميم وفيهم خطيبهم وشاعرهم ، فقام شاعرهم وألقى بعض الأبيات ، فلما فرغ من قصيدته أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- حسان بن ثابت بالرد عليه ـ ، فارتجل أبياتا منها :
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم .. أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك فيهم غير محدثة .. إن الخلائق فاعلم شرها البدع
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم .. وإن أصيبوا فلا خور ولا جزع
أكرم بقوم رسول الله قائدهم .. إذا تفرقت الأهواء والشبع

حسان والرسول -صلى الله عليه وسلم- :

لما هاجر رسول الله إلى يثرب دخل حسان في الإسلام مع من دخل من قومه ، ودافع الأوس والخزرج عن الرسول الكريم وقاتلوا أهل مكة فسموا بالأنصار ، احتاج الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى من ينصره على القرشيين بلسانه لأن شعراء قريش كانوا يؤذون الرسول الكريم والمسلمين بهجائهم ، فيشار على النبي -صلى الله عليه وسلم- باختيار علي بن أبي طالب لهذه الغاية ، فلا يجده مناسبا لها ، ثم يقول للأنصار : “ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم ؟” ، فينبري حسان بن ثابت قائلا : ((أنا لها)) ، ثن أخذ بطرف لسانه ويقول : ((والله ما يسرني به مقول بين بصري وصنعاء)) ، فقال رسول الله : “كيف تهجوهم وأنا منهم ؟” ، فرد عليه : ((إني أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين)) ، فيشير عليه رسول الله بلقاء أبي بكر ليدله على عيوب قريش ومساوئها .
وكان رسول الله دائم الثناء على حسان على أن نصيبه من الجهاد الإسلامي كان قاصرا على الشعر ، إذ كان لا يملك الشجاعة في خوض غمار الحرب وإن كان شعره يفتخر بشجاعته ، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يسمع ذلك يضحك ويبتسم .

شعر حسان الهجائي :

فلقد وجه الشاعر حسان هجاءه النضالي إلى القرشيين الذين قاموا في وجه الدين الجديد يحاربونه ويهاجمون محمدا ، وكان موقف الشاعر تجاههم حرجا ، لما بينهم وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- من نسب ، لذلك حصر الشاعر هجاءه في المشركين من قريش عامة ، وخاصة من مثل أبي جهل وأبي لهب .
أما أسلوبه في هجائه هذا لم يكن طعنا في أصل قريش ونسبهم ، بل كان يعمد إلى الواحد منهم فيفصله عن الدوحة القرشية ويجعله فيها طائرا غريبا يلجأ إليها كعبد أو دعي أو متبنى ، فقد قال يهجو بني سهم :
نتيجة بحث الصور عن النبي صور
والله ما في قريش كلها نفر .. أكثر شيخا جبانا فاحشا غمرا
كم من كريم يعض الكلب مئزره .. ثم يفر إذا ألقمته الحجرا
لولا النبي وقول الحق مغضبه .. لما تركت لكم أنثى ولا ذكرا
وإننا لنلمس في الشعر النضال الديني والسياسي هذا صدق اللهجة وحرارة الرجل يدافع عن أمر يجعل نفسه فداء له :
فإن أبي ووالده وعرضي .. لعرض محمد منكم وقاء

طوابع شعر حسان :

من أهم ما يتصف به شعر حسان أنه نموذج للشعر الغنائي الصحيح في الجاهلية ، سواء في ملاءمته للغناء لرقته وسهولته ، أو من حيث موضوعه الذي يدور حول التغني بفضائله وفضائل قبيلته ، وكانت شخصية حسان مندمجة تمام الاندماج في قبيلته ، والشاعر الغنائي هو الذي يتغنى بمشاعره الخاصة وعواطفه الذاتية ، ومن طوابع شعره أيضا ، قصر النفس فيه فلا نجد لحسان قصائد طويلة ، كما لا نجده يطيل في وصف الديار والأطلال وغيرها ، فهو لا يكاد يورد فيها بيتين أو ثلاثة ، حتى ينتقل إلى موضوع آخر ، وكثيرا ما يكون انتقاله فجائيا يباغت السامع فيه .
على أن حسان بن ثابت شاعر الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان بارعا في الأغراض التي تمس نفسه من قريب مالفخر ، والهجاء ، ووصف الأيام الخوالي ، هذا وقد فضله بن سلام على كل شعراء عصره ، وقال أبو عبيدة بن الجراح : فضل حسان بن ثابت الشعراء بثلاث : كان شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي -صلى الله عليه وسلم- في النبوة ، وشاعر اليمن كلها في اليمن ، ولعد حق بعد ذلك أن يقال : إن حسانا هو مؤسس الشعر الديني للإسلام .


اقرأ المزيد: حسان بن ثابت | مايوز 
مايوز 

إرسال تعليق

التعليقات

https://www.facebook.com/groups/725634620858603
https://www.facebook.com/groups/725634620858603


جميع الحقوق محفوظة

مدونة اجتهاد الاسلامية

2016