قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾، كيف اعتدوا، وكيف صدر الأمر إليهم بـ ﴿ كُونُواْ﴾، مع أن ذلك ليس في مقدورهم، وهل صاروا قردةً على الحقيقة، وهل يكفر مَن يقول لم تنقلبْ صورُهم إلى صورة قردة على الحقيقة، بل صارت طباعهم طباعَ القردة؟
كان اليهود مأمورين بأن يتجردوا للعبادة يوم السبت، وحُرِّمَ عليهم التكسّب فيه، وكان بعضهم يسكن قرية «إيلة»
على ساحل البحر الأحمر، وكانت الأسماك تقترب من الساحل يوم السبت فتكون في متناول أيديهم، ولا تأتي في الأيام الأخرى، فعمد بعضهم إلى الحيلة فحفـروا حياضاً قـرب الساحل وفتحوا لها جداول إلى البحـر، فإذا أتت الأسماك في يوم السبت أثناء المد دخلت تلك الحياض، فإذا انحسر الماء أثناء الجزر بقيت تلك الأسماك في الحياض، فيصطادونها يوم الأحد. قال الله تعالى في سورة الأعراف: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) ﴾.
أما قوله تعالى: ﴿ كُونُواْ قِرَدَةً ﴾ فهو أمر تكوين، قال الله لهم كونوا فكانوا، وليس الأمر أمر تكليف.
وجمهور المفسرين يقولون: إنهم مُسِخوا قردةً على الحقيقة، أي انقلبت صورهم الجسمية إلى صور قِرَدَة، وأنهم عاشوا ثلاثة أيام فهلكوا.
والقول بأنهم لم تنقلب صورهم لا يُعَدّ كفراً. كيف وقد قال بذلك الإمام التابعي مجاهد بن جبر، وتناقل المفسرون قوله ولم يكفره أو يفسقه أحد منهم. روى ابن جرير عن مجاهد أنهم ما مسخت صورهم، ولكن مسخت قلوبهم. وقال بعض المعاصرين: ليس من الضروري أن يستحيلوا قردة بأجسامهم، فقد استحالوا إليها بأرواحهم وأفكارهم.
من كتاب «رسالة في التفسير» للمؤلف الأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي
Ⅶ تحقيق الدكتور عبد الحكيم الانيس
إدارة البحوث- دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي
إرسال تعليق