☼ هل عَــلِمَ أحـدٌ في التاريـخِ كلِّه خـادِمًا يُثني عـلى سيـِّدِه، مثل مـا قال خَـادِمُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟!
☼ يقول أنس رضي الله عنه كلامًا ما أعجبه! وشهادة ما أصدقها! وثناء ما أعطره! عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم معه؛ قال: «خَدَمْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، وَالله مَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا!!» (البخاري ومسلم).
☼ عشر سنوات كاملة؛ ليست أيامًا أو شهورًا؛ إنه عمرٌ طويلٌ؛ فيه الفرح والتَرَحُ، والحزن والغضب، وتقلبات النفس واضطرابها، وفقرها وغناها، ومع هذا فلم ينهرْه ولم يأمرْه - بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام- بل ويكافئه ويطيب خاطر خادمه، ويلبي حاجته وحاجة أهله، ويدعو لهم.
يقول أنس رضي الله عنه: قالت أمي: يا رسول الله، خادمك ادع الله له، قال: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» (البخاري ومسلم).
☼ وعن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ الله» (البخاري ومسلم).
☼ وعن عائشة رَضِيَ الله عَنْهَا، قالت: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ، إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَـمَ رَسُـولُ الله صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِـهِ فِي شَيْءٍ قطُّ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله، فَيَنْتَقِمَ بِهَا لله» (البخاري ومسلم).
☼ وكان صلى الله عليه وسلم يهتمُّ برعاية خَدَمِه، ويتفقد أحوالهم وأمورهم الخاصة، ويعينهم على أمور معاشهم؛ ويَعودُهم إذا مَرضوا، ويبتدئهم بالسؤال عن حاجتهم، ولم يكن هذا الأمر حديثًا عابرًا منه صلى الله عليه وسلم، بل كان يشغلُ بالَه ويتابعُه ويسألُ عنه؛ ولا ينتظر حتى يسألوه هم؛ فعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سَلْنِي أُعْطِكَ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَنْظِرْنِي؛ أَنْظُرْ فِي أَمْرِي. قَالَ: «فَانْظُرْ فِي أَمْرِكَ».
قَالَ: فَنَظَرْتُ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَمْرَ الدُّنْيَا يَنْقَطِعُ، فَلَا أَرَى شَيْئًا خَيْرًا مِنْ شَيْءٍ آخُذُهُ لِنَفْسِي لِآخِرَتِي؛ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «مَا حَاجَتُكَ؟». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، اشْفَعْ لِي إِلَى رَبِّكَ، عَزَّ وَجَلَّ؛ فَلْيُعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ.
فَقَالَ: «مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا؟». فَقُلْتُ: لَا والله، يَا رَسُولَ الله، مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمْرِي؛ فَرَأَيْتُ أَنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ مِنْ أَهْلِهَا؛ فَأَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ لِآخِرَتِي. قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» (أحمد والطبراني وحسن الألباني).
☼ وقد امتدَّت عنايته صلى الله عليه وسلم بخدمه لتشمل غير المؤمنين به، وذلك كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يَخْدُمُه؛ فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَمَرِضَ؛ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ» فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ؛ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ لله الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» (البخاري).
☼ كما كان صلى الله عليه وسلم يبذل نفسَه الشريفةَ ووقته؛ لأجـلِ قضاءِ حاجـاتِ الضعفاءِ والمسـاكينِ، رغم اشتغاله بالأمور العِظام والمهام الجِسام؛ فعن عَبْدِ الله بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْنَفُ وَلَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ؛ فَيَقْضِيَ لَهُما حَاجَتَهُمَا» (النسائي وصححه الألباني).
☼ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ؛ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ» فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ؛ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (مسلم).
وصدق الله: " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ".
* * *
هذا غيضٌ من فيضٍ، وقطرةٌ من محيطٍ؛ من خصال وأخلاق أعظم إنسان عرفته البشرية صلى الله عليه وسلم، جمعتها على عجلٍ؛ مساهمةً متواضعة، وكلماتٍ مختصرة؛ لعلنا ندرك جانبًا يسيرًا من جوانب العظمة، في حياة سيد الخلق، وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم.
* * *
إرسال تعليق