تطبيق شرع الله لو ان الدنيا كلها تطبق هذا القانون لما وجدنا تعب في هذه الحياة وعندها سوف تكون حياتنا اسهل بكثير وابسط ايضآ , لكن هذه هي الدنيا يوجد فيها الظالم والمظلوم ويغيب عنها ذكر الله وتنسى تطبيق الشريعة الاسلامية . (والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نُضيع أجر المصلحين )(الأعراف:70( العدالة والمساواة من أهم الخصائص والمرتكزات التي تميز بها نظام الحكم في الإسلام، وهما الأمر الذي يمثل إلى حد بعيد روح الحضارة الإسلامية الذي ضمن لها الاستمرارية والتوصل الحضاري رغم عوامل الإنهاك ومحاولات الإنهاء، وهو سر البقاء والخلود الذي افتقدته الحضارات الأخرى جميعاً، وخضعت لمقياس النمو والارتقاء ومن ثم السقوط والفناء، ولم ينطبق هذا المقياس على الحضارة الإسلامية حيث لم يعدم أي عصر من عصور التاريخ الكثير من النماذج والصور العملية على المستوى الفردي والجماعي التي تشكل النوافذ الحقيقية الأمنية، والتي يمكن أن يطل منها كل من يريد إلى الحق الذي يتمثل في العدالة والمساواة التي جاء بها الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله ( إن قضية تحقق العدالة والمساواة على مستوى السلوك في الحياة يأتي ثمرة لقناعة عقيدية على مستوى التصور بأن السيادة لله، وأن التشريع بيده، وأن القيم التي يتحاكم إليها الناس وتحكم سلوكهم هي من وضع الخالق العليم الحكيم، والتسليم بأن خالق الإنسان هو أعلم بالمنهج والقيم التي تحقق له السعادة، وتضمن له العدالة والمساواة، قال تعالى: ( ألاَ يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) (الملك :14(. ذلك أن معظم الشر والشقوة في الحياة، وفقدان العدالة والمساواة كامن في نزوع الإنسان إلى التألة والسيادة، وفي تسلط الإنسان على الإنسان، وأن هذا التسلط أخذ على مر التاريخ صوراً شتى وممارسات متعددة، وكانت حقيقته واحدة، فتارة كان يأخذ صورة التمييز العنصري أو اللوني، أو القومي، أو الطائفي، أو الحزبي، أو العشائري القبلي، أو الطبقي.. وأخرى قد يلبس أثواباً دينية ويمارس إرهاباً فكرياً باسم الدين ورجاله، والتسلط هو التسلط .. وبالتالي فلا يمكن إيقاف هذا التسلط وتحقيق العدالة والمساواة إلا بأن تكون السيادة لله والتشريع بيده، وبذلك فقط يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، إذ لا يمكن أن يتصور عقلاَ بأن يعطي الإنسان المخلوق نفسه حق السيادة والألوهية، فيتصرف بالآخرين من أمثاله وفق رغائبه ورؤاه، ويشرع لهم قيمهم التي تنظم سلوكهم وتحكم تصرفاتهم وتتحكم بمصائرهم بعلمه المحدود، وعمره المحدود، ووقوعه تحت تأثيرات كثيرة ومتعددة، فيأتي تشريعه قاصراً من جانب ومحققاً لمصلحة طبقته وفئته وحزبه أو طائفته مستغلاً للآخرين ومستبداً بهم من جانب آخر. لذلك كان الاعتقاد بأن السيادة لله، والتشريع بيده، والقيم من وضعه من أولى الحقائق والبدهيات في التصور الإسلامي التي لا يمكن أن تتحقق العدالة والمساواة بدونها أيضاً.. ومن هنا نستطيع أن نقول: إنه لا يكتمل إيمان المؤمن ما لم يعتقد ذلك، ويسعى جهده لإبلاغه للناس وإقناعهم به واستفراغ الوسع في العمل على تطبيقه في حياة الناس، لأن تحكيم الشريعة والاحتكام إليها ثمرة طبيعية، وقضية لازمة لعملية الإيمان الأولى كما أسلفنا؛ ذلك أن ادعاء الإيمان والنكوص عن الالتزام بالشريعة والانضباط بمقياسها يبقى دعوى بلا دليل، ومن يخالف فعله قوله كان كالذي يوبخ نفسه، وكثيرون في عالمنا الإسلامي من أولئك الذين تسموا بأسماء المسلمين ، ممن أصبحت حرفتهم اللعب بالمبادىء والتلاعب عليها، وإماتة المطالبات بتطبيق الشريعة الإسلامية في أدراج اللجان، وتغييبها عن المواقف الجادة؛ والعبث بعواطف المسلمين من تسويف المبطلين والاعتذار بالغيرة على الأمة وذلك بتقديم القضايا الهامة والخطيرة في أولويات البحث والمناقشة، وكأن البحث في تطبيق الشريعة ليس من القضايا الهامة، قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما ) ( النساء: 6( ولا نجد أنفسنا بحاجة إلى الوقوف عند مدلولات الآية لأنها من الآيات المحكمة التي لا لبس فيها ولا تشابه، ولا مجال لتأويل أو تمحل ؛ والذي يزعم أنه مؤمن بالله ثم يتحاكم ـ فيما يستطيع ـ إلى غير شرعه فقد وقع في الضلالة والخزي، قال تعالى: ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا ً) ( النساء:60) فالإيمان بسيادة الله وأن ثمرة تحكيم شريعته بين الناس دين يتساوى فيه الجميع، لكن القدرة على إبراز ذلك وإنفاذه تختلف من مسلم إلى آخر بحسب موقعه وإمكاناته، كما أسلفنا، ومن هنا نقول: إن القيام على تطبيق شريعة الله وتنفيذ حدودها لا بد له من سلطان إسلامي، وإن تطبيق بعض الأحكام من قبل بعض الأفراد على أنفسهم أو على الآخرين فيما يخص السلطان المسلم، من إنفاذ العقوبات وما إلى ذلك، إنما يمكن أن يصنف في إطار الفهم غير السليم وغير السوي للاستجابة الإسلامية للأحكام الشرعية.. ونعتقد هنا أن نصيب الفرد من خطاب التكليف في أن يقيم من نفسه حاكماً يمارس ما ليس له شرعاً، وإنما العمل على وجود السلطة المسلمة التي تلتزم ذلك وتقوم به معنى تطبيق الشرع ولقد كان طبيعياً جداً أن تتزامن المطالبة بتطبيق شرع الله في عالم المسلمين بكل جوانبها، السياسية والاجتماعية والثقافية والقضائية والأخلاقية، مع حركة المد الإسلامي بعد هذه السنوات الطويلة من التجارب المريرة، والغربة الموحشة، والرحلة الشاقة من القهر والظلم والاستعمار والتسلط، وبعد أن بددت طاقات المسلمين وأهدرت كرامتهم، ومزقت أشخاصهم، وأكلت مواردهم، وسقطوا فريسة لأعدائهم ، وبعد أن حكم على إسلامهم ـ الذي كان سبب حضاراتهم ووجودهم التاريخي عملياً ـ بعدم الصلاحية، وطرح جانباً وأُقصي عن مجالات الحياة وتنظيمها حتى بدأت تسوغ ذلك فلسفات، وفرضت عليهم شرائع وقوانين لا تمت إليهم بنسب، والذي ضمن لها البقاء والاستمرار إنما هو حراب الاستعمار، والأيدي التي انتقلت إليها هذه الحراب في عصر ما بعد الاستعمار.. إما الذهاب إلى المجتمع والذوبان فيه وعدم العودة إلى الإسلام وانطفاء الفاعلية، وإما عمليات الرفض والإدانة والجلد للمجتمع.. الأمر الذي يحول بين المسلم ووظيفته في عملية البلاغ المبين. إن استعلاء الإيمان هو حصانة ضمن المعركة الاجتماعية لا يعني بحال من الأحوال الكبر والاستكبار والترفع عن الناس والهروب من الساحة، وإنما يعني التواضع ولين الجانب والمرونة والابتعاد عن الفظاظة والغلو الذي يعين الشيطان على إبعاد الناس عن الإسلام ويؤدي إلى المساهمة السلبية في التنكر لهذا الدين وأتباعه.
إرسال تعليق