فارق كبير بين دولة مستقرة على الأرض، ودولة أخرى تدعى الاستقرار، رغم أنها تقف على أرض رخوة، وأيادى قادتها مرتعشة ويبحثون عن تحقيق مجد شخصى أو أيديولوجى على حساب الدولة، هذا هو الفارق بين مصر وتركيا.. فبعد عام كامل من خسارة تركيا معركتها على عضوية مجلس الأمن، رغم ثقتهم الزائدة فى الفوز، حصلت مصر على ثقة 179 دولة لتحصد مع السنغال مقعدى أفريقيا غير الدائمين فى المجلس عامى 2016-2017. اثنان وسبعين صوتاً، شكلت الفارق بين إسبانيا وتركيا فى التصويت على المقعد غير الدائم فى مجلس الأمن العام الماضى والذى انتزعته إسبانيا، وهو فارق كبير جداً وله تأثير قوى على دولة مثل تركيا، التى تدعى دوماً أنها نموذج لدول العالم الثالث، وأنها مساند الضعفاء، ورفعت خسارة أنقرة للتصويت علامات استفهام عديدة بشأن السياسة الخارجية لإدارة رجب طيب أردوغان، والتى دفعت بوسائل إعلام تركية وغربية إلى انتقادها بل واتهامها بأنها جلبت العداء لتركيا من الجميع، فدائرة العداوات التركية تتوسع، بسبب وهم الإمبراطورية الذى يعيشه أردوغان ومن معه. وقت أن خسرت تركيا المنافسة على مقعد مجلس الأمن خرجت مجلة "نيوزويك" الأمريكية وقالت، إن هذه الخسارة تكشف الاحتكاكات المستمرة بشكل متزايد مع بعض من جيرانها وأيضا مع بعض القوى العالمية، وقالت إن الأيام السابقة للتصويت شهدت حملة مكثفة بقيادة مصر والسعودية ضد عضوية تركيا فى المجلس، وهى الحملة التى أفشلت كل المساعى التركية، والتى توهمت حتى اللحظات الأخيرة انها ستحظى بثقة العالم، بل أن وزير الخارجية التركى، وقتها، مولود جاوش أوغلو، استضاف قبل التصويت بيوم حفلا ضم مجموعة من الدبلوماسيين فى أحد الفنادق بنيويورك، حيث تنبأ الكثير من الحضور بانتصار سهل لتركيا، وهو ما ثبت فى اليوم التالى كذبه. ما حدث العام الماضى كان صفعة على وجه أردوغان، وما حدث مساء الخميس بفوز مصر بعضوية المجلس بـ179 دولة هو صفعة ثانية بل أنها أقوى من الأولى، لأنها أكدت لأنقرة وأردوغان أن معايير القوى تتغير فى المنطقة، وأن مصر التى لم يصدق أنها كانت سبباً فى خسارته العام الماضى، هى بالفعل أقوى منه بدليل أنها فازت هذا العام فوزاً مريحاً، أزعج أردوغان ورفاقه . الفوز المصرى الذى كلل عاماً كاملاً من العمل والتحرك الدبلوماسى المدروس يؤكد ثقة العالم فى مصر الجديدة، وأن حالة الانبهار التى صاحبت كل تحركاتها بعد 30 يونيو لم تكن مجرد أعجاب، بل كانت ممتزجة بتقدير عالمى لمصر الجديدة، التى كانت تخطو للأمام بخطوات منتظمة، وهو ما أكده سامح شكرى وزير الخارجية بقوله إن مصر تنتهج دائما سياسات مبنية على مبادئ راسخة لا تتغير بتغير الظروف لأنها قائمة على نظرة موضوعية نظرة من العدالة والإنصاف، مؤكداً على أن مصر ستستمر فى انتهاج سياسة تتواكب مع ميثاق الامم المتحدة وأهدافه، وأنها ستتناول بالتنسيق مع أعضاء مجلس الأمن جميع القضايا سواء كانت سياسية أو قضايا اقتصادية أو الخاصة بالاستقرار السلم والأمن الدولى. وجود مصر فى عضوية مجلس الأمن الذى سيكون رسمياً فى الأول من يناير 2016 سيحدث تغييراً فى خريطة التكتلات داخل المجلس، خاصة مع انضمام السنغال أيضاً مع مصر عن المقعدين الأفريقيين، فبجانب الدولتين هناك 13 دولة أخرى أعضاء بالمجلس على رأسهم بالتأكيد الدول دائمة العضوية وهم الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، بالاضافة إلى اليابان وأوكرانيا وباراجواى الدول الثلاثة التم تم انتخابهم مع مصر والسنغال، وهناك خمسة دول أخرى أمامهم عام اخر فى المجلس وهم نيوزلندا وماليزيا وإسبانيا وفنزويلا وانجولا خريطة التكتلات الجديدة ستكون مصر طرفاً أساسياً فيها، خاصة فى ظل التقارب الواضح حالياً بين القاهرة وكلاً الصين وروسيا وفرنسا، فضلاً عن التفاهم الواضح بينها وبين السنغال وإسبانيا وأنجولا، فكثير من المشاكل أو الأزمات المعروضة على المجلس سيكون لمصر دور قوى فيها، مما سيدفعها لبناء تحالفات جديدة وقوية داخل المجلس خاصة تجاه الأزمة السورية والوضع فى ليبيا واليمن والعراق، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية . فى المقابل فإن دخول أوكرانيا المجلس سيحدث انقساما داخله بسبب التباين الغربى الروسى حول الأزمة الأوكرانية، وهو ما سيتطلب من مصر أن تتحرك بحذر شديد فى مثل هذه الملفات حتى لا تخسر الأصدقاء.
التعليقات
https://www.facebook.com/groups/725634620858603
https://www.facebook.com/groups/725634620858603
إرسال تعليق