-->
مدونة اجتهاد الاسلامية مدونة اجتهاد الاسلامية
random

موضوعات جميله

random
recent
جاري التحميل ...
recent

رؤية تحليلية للنسوة اللائي قطعن أيديهن


رؤية تحليلية للنسوة اللائي قطعن أيديهن
قال تعالى في سورة يوسف:
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ (35)
 
استدعت الآيات المباركات الكثير من العلماء وطلبة العلم والمسلمين عموما لأن ينظروا في هذه الآيات وبالأخص مشهد تقطيع الأيدي فكثر الجدل وتعددت الآراء ، فقائل أن (أعدت لهن متكأ) أي أوكأت أيديهن والتقطيع حدث للحبال التي اوثقتهن وهذا رأي فاسد عقلا ويتعارض مع مواضع في القرآن الكريم (على الأرائك متكئون) ، وهناك من قال انه قد يكون تقليد شعبي شائع لأن حكام مصر آنذاك هم الهكسوس الذين يعدون بدوا من العرب في الأساس ، والشائع لدى المفسرين أن امرأة العزيز أعطتهم فاكهة وسكينا لتقطيعها فأخذن بجمال يوسف عليه السلام فقطعن أيديهن بدل تقطيع الفاكهة ، وهنا يشكل على ذلك أمور عدة منها :
كيف علمت امرأة العزيز بأنهن سيقطعن أيديهن ؟ ولماذا قطعن أيديهن كلهن ولم يبق منهن من لم تفعل ذلك؟ ثم أن الفاكهة لم تذكر في الآيات الكريمة فما ذكر هو المتكأ (وهو موضع الجلوس الوثير ) والسكاكين التي وزعت عليهم ، وسأجمل بضع نقاط تؤخذ في الاعتبار ثم ابدا في سرد تحليلي لما تختزنه الآيات من معان ودلالات:
1- نتفق على أن الفاكهة ليست مذكورة ولم يرد نص صحيح يثبت ذلك.
2- مجتمع يوسف في مصر لم يكن مجتمعاً بدويا بل مجتمعاً متحضراً متطوراً بصورة ملحوظة واقتصرت البداوة في السورة على قوم يوسف وأهله في موطنهم والدليل قوله تعالى “وقد أحسنَ بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو” فمجيئهم من البدو أي أنهم أتوا لمكان غير مكان البدو وهذا يدل على أنهم أتوا إلى حاضرة وليس إلى بادية ، كما أن اشتغالهم بالزراعة والحصاد يدل على عدم انتمائهم لمجتمع البادية الذي يشتغل بالرعي وتربية الإبل والغنم وما يحيط بحياة البادية من مخاطر الوحوش المفترسة كالذئاب ومواطن سكناهم المتنقلة.
3- كما اعتدنا عليه في السياق القرآني فإن النص يتجاوز تفاصيل كثيرة ويركز على جزئيات معينة توضح الصورة ، والتي يتجاوزها كتاب الله ليست بذات أهمية مقارنة مع ما ذكر في الآيات ولكن من باب التدبر والتمعن والإبحار في القصص القرآني ونستغفر الله ان نجزم بأمر ليس على وجهه الصحيح، وعلى سبيل المثال فلم يرد موضع مراودة النسوة ليوسف واقتصرت السورة على تفاصيل مراودة امرأة العزيز وكيف حدثت.
 
سرد تحليلي للقصة على ضوء السياق القرآني
 
في هذه القصة نجد دلالات عظيمة فالله يقول (فلما سمعت بمكرهن) فحديثهن في عرض امرأة العزيز كان مكراً يهدف لإيقاع السوء والمكروه بها فيصل الحديث لمسامع العزيز فينكل بها وهذا من مكر النساء إن أردن السوء بمن هنّ فوقهن سلطة وجمالا وثروة بالوقوع فيه ونشر أسراره وإثارة الناس والمجتمع عليه حتى يصبح عرضه تلوكه الألسن فيؤدي ذلك لما يراد من سوء ، ما يبدو من خلال الآيات الكريمة أن ما حدث كان أن أدركت امرأة العزيز هذا المكر فأرادت أن تمكر بهن بأشد مما أردن هن بها فعقدت تحدٍّ بينها وبين النسوة بأنهن إن رأين أن امرأة العزيز معذورة في مراودتها لفتاها فينبغي أن يقطعن أيديهن بالسكين ، وهي ترمي من فعلها أن تقيم عليهن الدليل المادي لإدانتهن وبالتالي وضعهن في ما هو أسوأ مما كانت هي فيه فتصمت ألسنتهن عن الخوض في قصتها مع يوسف ، فلما دخل يوسف صار بيِّناً لهنَّ أن امرأة العزيز معذورة فيما فعلت فأنفذن ما عاهدنها عليه وقطعن أيديهن بإحداث جروح وقطوع بالسكاكين التي قدمتها لهن وقام عليهن الدليل كما شاءت وعبر القرآن الكريم عن تلك الدهشة بوصف موقفهن حين الرؤية فقال تعالى (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) والتعبير بقوله تعالى (أكبرنه) أي رأين أنه يفوق ويكبر عما كنَّ يعتقدن ويتصورن، والقول بقطع اليد بتراً قول فاسد ولا يستقيم فلا يقدر احد على بتر عضو من أعضاءه ولا يستقيم ذك عقلا ولا عرفاً ولا يوجد سابق حدث ان تتمكن امرأة او حتى رجل من بتر كامل اليد بشرايينها وأوردتها وأعصابها وعظامها وبماذا ؟ بسكين!.
ولكن ماذا يثبت هذا العقد بين النسوة وامرأة العزيز ؟ ، قول امرأة العزيز هو ما يثبت ذلك حيث قالت (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)
وهنا يتبين لنا تشفيها في النسوة بل وأنها عندما حققت ما أرادت وحدث تقطيع الأيدي أصبحن في محل الإدانة فأشركتهن في المؤامرة بأن صرحت بما كانت تخفيه لأنها لم تعد تخاف من الفضيحة فقد استجلبتهن للوقوع في الخطيئة بالدليل فاعترفت بمحاولتها ومراودتها ليوسف وصرحت أنها لن تتوقف عن هذا وستواصل المراودة واستعانت بهن لعل إحداهن تستطيع ان تغويه ولعله يهيم حباً بإحداهن فيفعل معها الفاحشة وعندها تستطيع إجباره أن يرتكب معها الفاحشة ، ولكن ما دليل ذلك ؟ دليل تعدي فعل النسوة من تقطيع الأيدي لممارسة المراودة هو قوله تعالى (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (33)
فلما تكاثر الكيد على يوسف وأصبح لا يطيق هذا الفجور جأر إلى الله أن يصرف عنه كيدهن الذي افتتحته امرأة العزيز بمجلس السكاكين فأجابه الله لما استحبه لنفسه فصرف عنه الكيد وجعله في السجن وسلمه من الوقوع في المعصية وهنا يجدر بنا أن نعرف الكيد الذي هو :
كل تَدْبِيرٍ لِفِعْلٍ خَفِيِّ أو ظَاهر يريدُ مِنهُ الكاَئِد دَفعُ المكيدِ أنْ يرتكبَ عملا ًسيئا ًأو جرماً وذنباً بإرادتهِ بدونِ جَبرٍ او إرغام.
فكان تدبير ظاهر وخفي لإيقاع يوسف في الفاحشة فلما استعصم من ذلك كله تحول الكيد إلى الفعل المباشر بسجنه ليستجيب لامرأة العزيز وللنسوة في ان يمارس معهن الفاحشة.
وعندما عبر رؤيا الملك طلب من ساقيه ان يسأل الملك عن سبب تآمر النسوة – وحددهن باللائي قطعن أيديهن دون غيرهن – ثم قال ( إن ربي بكيدهن عليم) أي إن كان فعلهن ومراودتهن خفيت وغابت عن الملك فإن الله جلت قدرته عليم بما فعلن وبمراودتهن فيقول تعالى :
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)
وهنا لفت يوسف أنظار الملك إلى قضيته عندما أعرب عن احتجاجه على ما أصابه من كرب وسجن برفض المثول أمام الملك حتى يستعلم عن وقوع الكيد عليه من جماعة من النساء فأحضرهن بسمتهن التي وسمن بها أنفسهن وهو قطع الأيدي الذي دبرته امرأة العزيز ولو لم تعترف بإرادتها لما قام عليها دليل على فعلها ولكن النسوة أقمن على أنفسهن الدليل بتقطيع أيديهن فسهل على الملك إحضارهن ولكن امرأة العزيز اعترفت عندما استيقظ الضمير في داخلها فأنصفت يوسف
قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)
وتبين للملك مدى استقامته وأمانته وتقواه وحفظه لنفسه من الوقوع في الفاحشة ولو ادى ذلك لسجنه والتنكيل به فكان ذلك سبباً وجيهاً أن يتسنم هرم الوزارة ويمضي أمر الله
ملخص رؤية الموقف
سالخص فيما يلي تسلسل القصة حسب ما يظهر من النص القرآني الكريم:
1- أراد نسوة المدينة إيقاع الضرر بامرأة العزيز فوقعن فيها وفي ما حدث بينها وبين يوسف عليه السلام ليسري الخبر بين الناس ويعود عليها بالأذى.
2- سَمِعت امرأة العزيز بما كان منهن فأرادت أن توقعهن في السوء والفضيحة من جهة وتستعين بهنَّ في الإيقاع بيوسف من جهة أخری.
3- أعدت لهن مجلساً لامتهن فيه مما بدر منهن من حديث سوء بحقها وسألتهن أن يكفرن عما ارتكبن بحقها من إساءة.
4- آتت كل امرأة سكيناً وطلبت منهن إن كنَّ يلتمسنَ لها العذر بعد أن يشاهدن يوسف أن تحدث كل امرأة قطوعاً في يديها لقاء ما كان من حديث سوء ، وإن كن يرينَ عدم وجود ما يدعو للمغامرة بمراودته فلا يحدثن تلك القطوع .
5- عندما دخل يوسف بهرهن جماله وحسنه ورأين أنهن يستحقين العقاب رداً لاعتبار امرأة العزيز وأنها معذورة فيما فعلت فطفقن يقطعن في أيديهن.
6- كان فعل امرأة العزيز كيداً عظيماً ومكراً كبيراً بأولئك النسوة فلقد أقمنَ على أنفسهن الدليل المادي والبينة على أنهن اجتمعن على مراودة يوسف بوجود آثار للندوب لا يمكن مسحها بينما لم تكن تلك القطوع في يدها فتورطهن وتخرج هي نفسها من موضع اللوم وتضمن ان يتوقفن عن الحديث في عرضها.
7- استخدمت امرأة العزيز ذلك الدليل القائم البيِّن لابتزازهنَّ ودفعهنَّ لمراودةِ يوسف عليه السلام سعياً منها لإيقاعه في الفاحشة مع إحداهن وتجد بذلك المسوغ لفعل ذلك معها بنفس أسلوب الابتزاز الذي مارسته مع النسوة سيما وأنها مصرة على أن تستزل قدم يوسف عليه السلام ليرتكب معها الفحشاء.
8- برغم عدم ذكر موقف مراودة النسوة في السورة الكريمة إلا عندما جأر يوسف عليه السلام لربه تعالى ليصرف عنه كيدهنَّ فقد تبين أن امرأة العزيز نجحت بفعلها ذلك في حشد الغواية من خلال نسوة المدينة وبالتالي فقراءة النص القرآني يُنبئ عن شخصيةِ تلك المرأة وما كان من خبثها وإصرارها على هدفها المشين.
 ما أردت هنا إضافته هو ما يؤكد سنة الله في جزاء الخلق من جنس أعمالهم فعند استدعاء الملك ليوسف عليه السلام لم يرد الرسول متظلما من سجنه أو من مراودة النساء له بل استعمل الدليل المادي ذاته الذي أرادت امرأة العزيز استعماله لتهديد النسوة فأشار لتقطيع النسوة لأيديهن لأنها ندوب لا يمكن إخفاؤها وأدلة لا يستطعن طمسها فكان الدليل الذي أريد له أن يجرَّ يوسف عليه السلام إلى الفاحشة صار دليلاً على براءتهِ وعلى وقوع الكيد والسجن عليه ووصول الظلم والسوء إليه.
ومما يستفاد منه أن يوسف لم يطلق اتهامه على امرأة العزيز برغم علمه بوقوفها خلف تلك المؤامرة إما حفظاً للود مع الذي اشتراه وأحسن مثواه وحفاظا على سمعته وعرضه أو لعدم وجود الدليل على ضلوعها في المؤامرة بينما توفر الدليل على النسوة فكانت القطوع دليلا على فعلهن.
هذه رؤية  لموضع تقطيع النسوة لأيديهن ودلالات ذلك ودوره في القصة وكيف يمكننا أن نستجلي من سياق الآيات ما يحيط بهذا الحدث من وقائع في قصة يوسف وكيف استخدم وصفهن باللائي قطعن أيديهن في تحديد هويتهن وتعريف الملك بهن فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان واستغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

إرسال تعليق

التعليقات

https://www.facebook.com/groups/725634620858603
https://www.facebook.com/groups/725634620858603


جميع الحقوق محفوظة

مدونة اجتهاد الاسلامية

2016