رؤية لقوله تعالى ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا
قال الحق جل وعلا
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ
مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا
الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً
يَسِيراً ﴾ الفرقان(45- 46)
إن من لطائف هذه الآية الكريمة أن افرد بنا جل جلاله في بدايتها الاشارة – بصيغة المفرد- إلى ذاته جل شأنه (ألم تر إلى (ربك) كيف (مدَّ) الظل ولو (شاء) (لجعله) ساكنا)
مشيرا بذلك لوحدانيته في ربوبيته وتفرده بقدرته في ملكوته دون سواه متضمنا
تنزيه ذاته العلية عن الشريك والمعين ثم استطرد جلت قدرته قائلا : (ثم (جعلنا) الشمس عليه دليلا ثم (قبضناه) (إلينا) قبضاً يسيراً)
فوصف قدرته بصيغة جمع التفخيم و التعظيم تقديسا وإجلالا لمقام ألوهيته جلت
قدرته ، فتضمنت الآية : ألوهية الواحد الأحد وربوبية الخالق المدبر بدلالة
اعجازه في آية الظل فسبحان الله رب العالمين.
ويظهر ظل الأشياء إذا طلعت الشمس على الأرض، فترى ظل الأجرام
والأجسام ، وحين تتحرك الشمس يتقلص الظل ثم إذا مالت طال حتى تغيب الشمس ،
عند قراءة هاتين الآيتين الكريمتين من سورة الفرقان تتبادر هذه الصورة لذهن
الانسان ، ولكن إذا تدبرنا الآية جيدا وقرأناها مرات عديدة تتقافز اسئلة
عن المراد من قول الله جل وعلا (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا) ما علاقة الامتداد هنا بالسكون ؟ (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا)
، ولكن الشمس دليل في الأساس على الظل فما المقصود بالدلالة هنا ؟ ، )ثم
قبضناه الينا قبضا يسيرا) ، ولكن الظل بطبيعته يقبض فهل يقصد الله استحداث
شئ لم يكن ام يعرض شئ واقع لنتأمل في عظمته واعجازه ؟ ، الحقيقة ان الله جل
وعلا (وهو تعالى أعلم ) لا يعني –فيما يظهر لي – الظل الذي نتحدث عنه
ونشاهده وهو ظل الأجسام على الأرض حين طلوع الشمس ولكنه يتحدث عن أمرين
رديفين لبعضهما متشابهين الأول هو:
الليل : فالليل
حقيقة هو ظل الجزء الذي تضيئه الشمس ، فهو ليس ظلام بل ظل والظل هو احد
نواتج الضوء فحين تضيء الشمس نصف الأرض فإن ظل هذا النصف يمتد ليغطي كل
الجزء المعاكس فيصير ظلاما ولكنه في الحقيقة ليس ظلاما محضا بل ظلا به شئ
من الضوء ، ونعلم بلا شك أن الظل درجات منه ظل الأشياء في وقت النهار تكون
الأشياء تحت هذا الظل مرئية وقد يكون حالكا وأكثر اسوداداً كدواخل المباني
وفي الجزء الآخر من الأرض ولذلك فالظل الذي يظهر في النهار ليس بظل ممتد بل
محدود بعكس الليل الذي هو ظل ممتد يغطي مساحة كبيرة.
والثاني هو الكسوف
: وهو ظل الجزء المضاء من القمر الممتد والمتسع ليغطي ما يلي الأرض من
القمر وينعكس ظله على جزء من الأرض التي قدر الله لها أن يأتي القمر بينها
وبين ضياء الشمس فأصبح هذا الظلام العارض ظلا واقعا على جزء من الأرض
ومساحته اكبر من مساحة القمر نفسه لذلك يقول الله (مــدّ) الظل وهو ظل على
نصف القمر المظلم وظل على ما يلي القمر من الأرض مما يقع عليه الكسوف.
فلو شاء الله لأوقف حركة الأرض
فيبقى الليل سرمدا على نصف الأرض ويبقى النهار دائما على النصف الآخر فتفسد
حياة البشر والمخلوقات ، ولو أوقف القمر بين الأرض والشمس لاختفت الشمس عن
جزء من الأرض وأصبحت هذه الظاهرة المخيفة ابدية
فالظل الممدود أيضا مذكور في
الجنة فلا شمس ظاهرة في الجنة بل نور بدون حرارة شمس لذلك فالإنسان لا يضحى
في الجنة لأنه لا تحرقه الشمس لانتفاء الحاجة لوجودها أساسا ، (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) أي يستدل على وجوده برؤياها والشعور بضياءها وحرارتها وهنا يكرس المفهوم أن الظل وهو (كالليل والكسوف
) ما هما إلا من نواتج ضياء الشمس فوجودهما يدلنا على مكان الشمس وضوءها
وضوء الشمس يدلنا على الظل ومكانه (ليلا أو كسوفا أو ظلا بسيطا) ، بقي
القبض اليسير فالله تعالى يقول: (ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا)
والضمير يعود على الظل فكيف يقبض الظل؟ وما المقصود من قبضه ؟ القبض هنا
هو الإخفاء والإنهاء فالله ينهي وجود الظل فيقبضه ولكن كيف يقبضه ؟
يقبضه إذا قبض الضوء فيختفي الظل ، فالشمس مصدر الضوء الذي ينتجه
وينتج الظل أيضا إذا اختفى فالظل يقبض ويختفي أيضا، أي أن الله لو أطفأ
الشمس لقبض الضوء ، وإطفاء الشمس يتطلب قدرة عظيمة لا يقدر عليها احد إلا
الله وهو سبحانه لا يقدر عليها فقط بل إنها (يسيره) عليه جل وعلا والله
ومما يعزز هذا التفسير ان الظل المقصود في الآية هو الليل ما تلاها في
الآية 47 حيث يقول الحق مبينا فضل هذه النعمة (نعمة الظل) وتغيرها وتبدلها
فيقول جل وعلا:
(وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا)
فاللباس يحجب الضوء ويكون تحته ظلا لما فوقه من الضياء وبالتالي يتهيأ حدوث النوم السبات فكان (الجعل الأول) لليل والنوم و (الجعل الثاني)
للنهار، واللباس الحاجب للضوء المنتج للظل هو نفس الصورة والوظيفة الذي
يؤديها ظاهر الأرض مما يلي الشمس يتلقى الضوء وباطنها مما يلي النصف الذي
في حال الليل يكون الظل الذي نسميه (ليلا) فإذا بالصورة تتشكل كلباس حال
بين مصدر الضياء وما تحته.
وانوه إلى أنني بنيت رؤيتي لتأويل الآيتين الكريمتين على أساس أن قوله تعالى ﴿وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ﴾ ليست جملة اعتراضية بل انها وما بعدها يدخل في افتراض المشيئة ، بمعنى ( ولو شاء لجعله ساكنا ثم كانت الشمس بناءا على ذلك دليلا على هذا السكون ثم اتبعنا ذلك بقبض الظل) واما النظر الى الآيتين على اعتبار (ولو شاء لجعله ساكنا) انها اعتراضية في مجملها وما يليها يتبع ما قبلها فهذا هو الأصح في نظري بمعنى أن المقصود ﴿أَلَمْ
تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ – وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ
سَاكِناً – ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ
قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً ﴾ الفرقان(45- 46) اي ان قوله (ولو شاء لجعله ساكنا)
اعتراضية لا علاقة لها بما بعدها ولكنها لتبيان ان قدرة الله على سكون
الظل ممكنة وسكون الظل بإيقاف الشمس والارض فيبقى الظل ساكنا بينما ما يلي
الجملة الاعتراضية انها تنفي السكون وبالتالي فهمنا وتأكدنا انها فعلا
اعتراضية ، وتأثير هذا الوجه في تأويلي السابق هو أن القبض هنا بطلوع الشمس
وليس باطفائها ولكن بنية الفكرة لم تتأثر بهذا الرأي فلا زالت اعتقد ان
الظل هنا هو الليل وليس ظل الاشياء في النهار ، وليس الفترة من طلوع الفجر
الى شروق الشمس والله أعلى واعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
هل أعجبك الموضوع ؟
https://www.facebook.com/groups/725634620858603
https://www.facebook.com/groups/725634620858603
إرسال تعليق