لا تستفتِ قلبك-مدونة اجتهاد الاسلامية !!-مدونة اجتهاد الاسلامية
حديث ( استفتِ قلبك ) من أكثر الأحاديث شهرة عند عوام الناس فالجميع يحفظه ويستدل به ولكن هل استدلالنا بالحديث دائماً ما يكون صحيحاً ؟
وما قصة الحديث ومن الصحابي الذي قيل له استفتي قلبك
وما قول أهل العلم في تفسيرها ...؟
روى النسائي والترمذي بإسناد صحيح عن وابصة بن معبد قال أتيت النبي صلي الله عليه وسلم أسأله عن البر فقال : جئت تسأل عن البر. قلت نعم قال : البر ما أطمئن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والآثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس . استفتِ قلبك وأن أفتاك الناس وأفتوك " 0( وللحديث روايات أخرى )
من وابصة بن معبد ؟
صحابي جليل أُشتهر بالورع والزهد ترجم له الحافظ بن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب في الجزء العاشر فينقل عن أحد التابعين أنه ما دخل عليه إلا وجد القرآن مفتوحاً بين يديه والدموع تنحدر على خديه . ثم يقول كان عابداً زاهداً ورعاً من فقهاء الصحابة.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أصحابه جيداً ، فلما يقول لوابصة استفتي قلبك يعرف من هو وابصة وأي القلوب قلبه وعلى أي شيء سيدله قلبه.
ما المراد من استفتي قلبك ؟
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرح حديث " استفت قلبك " :وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان ، وكان الْمُفْتِي يُفْتِي له بِمُجَرَّد ظَن أو مَيل إلى هوى مِن غير دليل شرعي ، فأما ما كان مع الْمُفْتِي به دَليل شرعي فالواجب على الْمُستَفْتِى الرجوع إليه وإن لم ينشرح له صدره ، وهذا كالرخصة الشرعية ، مثل الفِطر في السفر والمرض ، وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا يَنْشَرِح به صُدور كثير مِن الْجُهَّال فهذا لا ِعبرة به .
يقول ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين:لا يجوز للمستفتي العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحَاكَ في صَدْره من قبوله، وتردد فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اسْتَفْتِ نَفْسَكَ وإن أفتاك الناسُ وأفْتَوكَ» فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولاً، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه؛ فإنما أقْطَعُ له قطعة من نار» والمفتي والقاضي في هذا سواء، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جَهْلَ المفتي أو محاباته في فتواه أو عدم تقيـيده بالكتاب والسنة أو لأنه معروف بالفتوى بالحِيَل والرخص المخالفة للسنة وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفَتْوَاه وسكون النفس إليها؛ فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي يسأل ثانياً وثالثاً حتى تحصل له الطمْانينة؛ فإن لم يجد فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة.أهـ [صفحة 192-طبعة دار ابن الجوزي]
إذن نستخلص من كلام العلماء أنه ينبغي توافر شرطان أساسيان للعمل بالحديث
أولها من جهة المستفتي بأن يكون ممن شرح الله صدرهم للإيمان وجعلهم على طريق الطاعات وجعل في قلوبهم خشية عظيمة من مخالفة أمره ، الأمر الذي يكون معه القلب حي بالله ويرفض بفطرته السليمة والطيبة كل ما يبغضه الله ويحرمه الشرع حتى وإن سمعه من لسان رجلاً ممن يقول بالفتوى.
وثانيها من جهة المفتي بأن يكون ممن لا يستدل في فتواه بدليل شرعي معتبر من كتاب وسنة وممن عُرف بالأهواء والميول في الفتوى وممن أُشتهر بالحيل والرخص المخالفة للسنة.
عندئذ استفتي قلبك يا مؤمن
أما أن يأتي أحداً ممن امتلئ قلبه بالأهواء وعاش عمره في جهل وعماء ثم يسمع أحد الأفاضل العلماء يفتي بدليل من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومستدلاً بأقوال الصحابة الكرام والتابعين وسلفهم من أعلام أهل العلم ثم يرفض الإذعان للفتوى ويعارض ويقول استفتيت قلبي فوجدت غير ذلك !! فهذا الجهل كله وهذا ليس مقصود الحديث ولا مفهومه وإنما المقصود منه ما وضحناه آنفاً.
إذن لما يكون المفتي ممن اشتهر بالعلم والتقوى والورع وممن يعرف جيدأ أحكام الكتاب والناسخ والمنسوخ منها ويعلم مناطات الأدلة ومقاصدها ودرجاتها ويتقن فنون اللغة ورزقه الله الفهم الذي به يستطيع الاجتهاد ولا يستدل إلا بنص من كتاب و سنة في فتواه
ولما يكون المستفتي ممن فرط في كثير من أوامر الله وممن تشغله الدنيا ونفسه والهوى كثيراً عن الطاعات وممن جهل كثيراً من أحكام الشريعة وأمتلئ قلبه بالشواغل والملهيات
عندها
لا تستفتِ قلبك
وإنما أذعن لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأجتنب الهوى وأحذر أن يغرك الغرور.
هذا والله أعلى وأعلم.
إرسال تعليق